لم يصح لما فيه من الغرر وليس في الرهن غرر ولا يتلف ان تلف من مال صاحبه ولان مقتضى الرهن البيع عند المحل فكأنه شرط بيعه عند المحل والثالث نقله المزني انه ان شرط القطع حال المحل صح وان اطلق لم يصح لان اطلاقه يقتضى بقاءه إلى حال الجذاذ وذلك يقتضي تأخير الدين عن محله فلا يحتاج إلى الشرط وما تقدم للقول الأخر من انتفاء الغرر فليس بصحيح ولان وثيقة المرتهن تبطل بذلك ويلزم عليه الرهن المجهول فإنه لا يصح وان لم يكن فيه الا جهالة الوثيقة وقد جرت مجرى جهالة الملك قال أبو إسحاق والصحيح انه بمنزلة البيع وقد نص عليه الشافعي في كتاب التفليس وان رهنها بعد بدو الصلاح جاز بشرط القطع ومطلقا ان رهنها بدين حال أو مؤجل في معناه وان رهنها بمؤجل يحل قبل بلوغها أوان ادراكها فعلى ما تقدم من القسم الأول. فروع: إذا رهن الثمار على الأشجار وصح الرهن كانت مؤنة السقي والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن وان لم يكن له شئ باع الحاكم جزءا منها وانفقه عليها ولو توافق الرهن والمرتهن على ترك السقي جاز بخلاف علف الحيوان وقال بعض الشافعية يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان. ب: لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ فللآخر منعه وبعد الجذاذ ليس له ذلك بل يباع في الدين ان حل والا امسكه رهنا. ج: الشجرة التي تثمر في السنة مرتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة بالدين الحال والمؤجل الذي يحل قبل خروج الثانية أو قبل اختلاطها بالأولى فان شرط ان لا يقطع عند خروج الثانية لم يصح لأنه لا يتميز عند محل الحق مما ليس برهن وان شرط قطعها صح وان اطلق فللشافعية قولان فان صححنا انه رهن بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض لان المرتهن انما يتوثق بعد القبض فهو والمرهون عنده كالبايع والمبيع محبوس عنده فان قلنا يبطل الرهن فكذلك وان قلنا لا يبطل فلو اتفق قبل القبض بطل وللشافعية فيه وجه اخر مضى نظيره فيما إذا تخمر العصير قبل القبض وإذا لم يبطل فلو رضي الراهن بان يكون الكل رهنا أو توافقا على أن يكون النصف من الجملة مثلا رهن فذاك وان تنازعا في قدر المرهون فالقول قول الراهن مع يمينه كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة أخرى للراهن وقال المزني القول قول المرتهن مع يمينه لان اليد له كما لو تنازعا في ملك وأجاب باقي الشافعية بان اليد تدل على الملك دون الرهن كما لو قال من في يده المال رهنتنيه وأنكر المالك كان القول قوله وقال بعضهم في مسألة الحنطة ان طرد الخلاف محتمل لتعذر الفرق. د: لو رهن زرعا بعد اشتداد الحب أو قبله صح عندنا لأنه مال مقول ينتفع به فصح كما صح بيعه وقالت الشافعية إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحب نظر إن كان ترى حباته في السنبلة صح والا فقولان كما في البيع والا صح عندهم المنع ولو رهنه وهو بغل فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدو الصلاح وقال بعضهم إذا كان الدين موجلا لم يجز قولا واحدا وان صرح بشرط القطع عند المحل لان الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم وقد يتفق الحلول في تلك الحال ولان زيادة الزرع بالطول فهي كثمرة يحدث ويختلط بالمرهون وزيادة الثمرة بكبر الحبة فهي كالسمن. البحث الرابع: في الحق المرهون به. مسألة:
يشترط في المرهون به أمور ثلاثة ان يكون دينا ثابتا في الذمة حالة الرهن لازما فلا يصح الرهن على الأعيان التي ليست مضمونة كالوديعة والعارية غير المضمونة و المستأجرة وغير ذلك من الأمانات لأنها ليست ثابتة في الذمة عينا ولا قيمة إما الأعيان المضمونة في يد الغير إما بحكم العقد كالمبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب والمستعار المضمون والمأخوذ على جهة السوم وكل أمانة فرط فيها وبقيت بعينها فالأقوى جواز الرهن عليها وبه قال مالك وقال أبو حنيفة كل عين كانت مضمونة بنفسها جاز اخذ الرهن بها يريد ما يضمن بمثله أو قيمته لأن المبيع يجوز اخذ الرهن به لأنه مضمون بفساد العقد ويجوز اخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع لأنه يضمن بمثله أو قيمته وكذلك الصلح عن دم العمد لأنه يمكن استيفاء القيمة من الرهن فصح اخذ الرهن على الأعيان المضمونة كالغصب والثمن المعين والأجرة المعينة لأن العين قبل هلاكها في يده لا يثبت في الذمة فلا يصح أخد الرهن بذلك كالمبيع ولأنه ان رهنه على قيمتها إذا تلفت فهو رهن على ما ليس بواجب ولا يعلم افضاؤه إلى الوجوب وان اخذ على عينها لم يصح لأنه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن ولان غرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحق من ثمنه عند الحاجة ويستحيل استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون وليس بجيد لان الاستيفاء انما يكون مع الحاجة مع وجود العين والتمكن من اخذها لا حاجة إلى البيع وعند عدمها أو تعذر أخذها على مالكها تجب القيمة ولهذا يجوز للمالك اخذ ما يجده من مال الغاصب إذا تعذر عليه استعادة عينه سواء ساوت العين أو خالفتها ونقل الجويني للشافعية وجها انه يجوز اخذ الرهن بها بناء على تجويز ضمان الأعيان وفرق باقيهم بناء على الظاهر من مذهبهم ان الضمان التزام في الذمة فلو لم يتلف العين المضمونة لم يجر الالتزام ضررا وفي الرهن دوام الحجر في المرهون يجر ضررا ظاهرا. مسألة: وشرطنا كون المرهون به ثابتا في الذمة حال عقد الرهن فان الذي لم يثبت بعد لا يجوز الرهن به مثل ان يرهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي واحمد لأنها وثيقة على حق فلا يجوز قبل ثبوت الحق من غير حاجة كالشهادة وقال أبو حنيفة ومالك يجوز عقده قبل الحق وإذا دفع إليه ثوبا وقال رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غدا وسلم إليه الثوب ثم اقرضه الدراهم لزم الرهن و حكاه القاضي بن كح من الشافعية عن بعض أصحابه أيضا إذا عين ما يستقرضه ومنهم من قال لو تراهنا بالثمن ثم لم يفترقا حتى تبايعا صح الرهن الحاقا للحاصل في المجلس بالمقترن بالايجاب والقبول وعلى ظاهر مذهب الشافعية لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن فإذا استقرض أو اشترى لم يصر رهنا الا بعقد جديد وفيه وجه لهم انه يصير رهنا واحتج أبو حنيفة بان ذلك وثيقة فجاز ان يكون عقدها موقوفا على حق يحدث في المستقبل كضمان الدرك والفرق على تقدير تسليم جوازه فإنه عندنا باطل وللشافعي قولان انه جاز للحاجة إليه والاحتياط في المال بخلاف مسئلتنا. مسألة: يصح عقد الرهن بعد ثبوت الحق في الذمة وتقرره اجماعا لأنه دين ثابت وتدعو الحاجة إلى اخذ الوثيقة فجاز اخذها كالضمان ولقوله تعالى فرهان مقبوضة جعله بدلا عن الكتابة فيكون في محلها بعد وجوب الحق لقوله تعالى إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه فجعله جزاء للمداينة مذكورا بعدها بفاء التعقيب إما لو قارنه وامتزج الرهن بسبب ثبوت الدين مثل أن يقول بعتك هذا العبد بألف وارتهنت هذا الثبوت به فقال المشتري اشتريت ورهنت أو قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها دارك فالأقرب الجواز وبه قال مالك والشافعي واحمد وأصحاب الرأي لان الحاجة تدعو إليه فإنه لو لم ينعقد مع ثبوت الحق وشرطه فيه لم يتمكن من الزام المشتري عقده وكان الخيار إلى المشتري والظاهر أنه لا يبذله فيفوت الوثيقة بالحق ولان شرط الرهن في البيع والقرض جايز لحاجة الوثيقة فكذا مزجه بهما بل هو أولي لان الوثيقة ههنا اكد فان الشرط قد لا يفي به وللشافعية وجه اخر انه فاسد لان أحد شقي الرهن متقدم على ثبوت الدين ولو قال لعبده كاتبتك على الف وبعت منك هذا الثوب بكذا فقال قبلت الكتابة والبيع لا يصح البيع وفرقوا بوجهين أحدهما ان العبد لا يصير أهلا للمعاملة مع مولاه حتى يتم الكتابة والثاني ان الرهن من مصالح البيع وليس من مصالح الكتابة ولا استبعاد في سبق أحد شقي الرهن على ثبوت الدين وانما الممنوع منه سبق الرهن عليه ويمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة. فروع: أ: لو قال البايع ارتهنت وبعت وقال المشتري اشتريت ورهنت لم يقع عند الشافعية لتقدم أحد شقي الرهن على شقي البيع وكذا لو قال ارتهنت وبعت وقال المشتري رهنت واشتريت لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع. ب: شرط الشافعية في الصحة تقدم خطاب البيع على خطاب الرهن وتقدم جواب البيع على جواب الرهن وبالجملة