لا مال له ولا قريب ولا كسب قضى الامام من سهم الفقراء والمساكين أو الغارمين والأول أثبت مسألة: قد بينا ان نفقة اللقيط إذا لم يكن له مال على بيت المال فإن لم يكن في بيت المال شئ أو كان لكن هناك ما هو أهم كسد ثغر يعظم امره وحاجة إلى رعاية عمارة عامة كسد بثق؟ يخشى الغرق منه أو غير ذلك من المصالح العظيمة وجب على المسلمين القيام بكفايته ولم يجز لهم تضييعه ثم طريقه طريق النفقة لأنه محتاج عاجز فأشبه الفقير المزمن والمجنون والميت إذا لم يكن له كفن فعلى هذا إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول الغرض به وان امتنعوا بأسرهم استحقوا العقاب وطالبهم الامام فان امتنعوا قاتلهم فان تعذر استقرض الامام على بيت المال وأنفق عليه وهو أحد قولي الشافعية والثاني ان طريقه طريق القرض حتى يثبت الرجوع لان هذا يجب دفعه لاحيائه فأشبه المضطر يدفع إليه بالعوض كما يبذل الطعام للمضطر بالعوض لما تقدم من أنه يجوز ان يكون رقيقا أو يكون له مال أو قريب كما تقدم فعلى هذا ان تيسر الاقتراض استقرض والا قسط الامام نفقته على الموسرين من أهل البلد ثم إن ظهر عبدا فالرجوع على سيده وان ظهر له مال أو اكتسبه فالرجوع عليه وان لم يكن شئ قضى من سهم الفقراء أو الغارمين وان حصل في بيت المال مال فنفقته منه ولو حصل في بيت المال مال وحصل اللقيط مال دفعة قضى من مال اللقيط كما أنه إذا كان له مال وفي بيت المال مال يكون نفقته في ماله ولا يؤخذ من بيت المال شئ لاستغنائه عنه ولو احتاج الامام إلى التقسيط على الأغنياء قسط مع امكان الاستيعاب ولو كثروا وتعذر التوزيع يضربها السلطان على من يراه بحسب اجتهاده فان استووا في نظره تخير والمراد أغنياء تلك البلدة أو القرية ولو احتاج إلى الاستعانة بغيرهم استعان ولو رأى المصلحة في التناوب عليه في الانفاق منهم فعله مسألة: إذا كان للقيط مال فالأقرب عندي ان الملتقط لا يستقل بحفظه بل يحتاج إلى اذن الحاكم لان اثبات اليد على المال انما يكون بولاية إما عامة أو خاصة ولا ولاية للملتقط ولهذا أوجبنا الرجوع إلى الحاكم في الانفاق عليه من ماله وهو أحد وجهي الشافعية وأرجحهما عندهم ان الملتقط يستقل بحفظ ماله ولا يحتاج إلى اذن الحاكم لأنه مستقل بحفظ المالك بل هو أولي به من القاضي فكان أولي بحفظ ماله ثم اختلفوا بناء على هذا القول في أنه هل له ان يخاصم عن اللقيط من يدعى ما يختص اللقيط به من الأموال والأصح عندهم انه لا يخاصم مسألة: إذا كان للقيط مال أنفق عليه منه اجماعا ولا يجب على غيره الانفاق عليه كما أن الصغير الموسر تجب نفقته من ماله دون مال أبيه ولا يتولى الملتقط الانفاق عليه من ماله بالاستقلال ما لم يأذن الحاكم إذا أمكن مراجعته وبه قال الشافعي لأنه لا ولاية له على ماله وانما له حق الحضانة لان الولاية للأب والجد له والحاكم على مال الصغير دون بقية الأقارب وإن كان لأقارب الصغار ولاية الحضانة كذلك الملتقط يلي الحضانة ولا يلي المال وقال احمد ان الولاية للملتقط ينفق عليه بغير اذن الحاكم لأنه ولي له فلم يعتبر في الانفاق عليه في حقه اذن الحاكم كالوصي اليتيم ولان هذا من الامر بالمعروف فاستوى فيه الامام وغيره كإراقة الخمر وقد روى عنه في رجل أودع رجلا مالا وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة لهم هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغايب فقال يقوم امره إلى الحاكم حتى يأمره بالانفاق عليهم فلم يجعل له الانفاق من غير اذن الحاكم فقال بعض أصحابه هذا مثله ومنع الباقون وفرقوا بوجهين أحدهما ان الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله فان له ولاية اخذه وحفظه والثاني انه انما ينفق على الصبي من مال أبيه بشرط ان يكون الصبى محتاجا إلى ذلك لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه وذلك لا يقبل قول المستودع فاحتيج إلى اثبات ذلك عند الحاكم ولا كذلك في مسئلتنا ونمنع ثبوت الولاية على الملتقط في غير الحضانة مسألة: إذا ثبت ما قلناه من أنه لا يتولى الملتقط الانفاق عليه الا بإذن الحاكم فإنه يرفع امره إلى الحاكم فان اذن له في الانفاق عليه جاز له كما يجعل أمينا للصغير إذا مات أبوه وبغير وصية فان أنفق عليه بغير اذن الحاكم مع امكانه ضمن ما أنفقه ولم يكن له الرجوع على اللقيط كمن في يده وديعة ليتيم فانفقها عليه ولبعض الشافعية وجه غريب انه لا يصير ضامنا إذا تقرر هذا فإذا دفع الامر إلى الحاكم كان للحاكم ان يأخذ المال منه ويسلمه إلى امين لينفق على اللقيط بالمعروف أو يصرفه إلى الملتقط يوما بيوم أو يتركه بحاله في يد الملتقط إذا رأى الامام الصلاح في ذلك ثم الأمين ان قتر عليه منع منه وان أسرف ضمن الأمين والملتقط الزيادة ويستقر الضمان على الملتقط إذا كان الأمين قد سلمه إليه لحصول الهلاك في يده وقد قلنا إن للحاكم ان يأذن للملتقط في الانفاق ويترك المال في يده إذا كان أمينا عنده واما الشافعية فقدموا على الحكم مقدمة وهي انه إذا لم يكن للقيط مال واحتيج إلى الاستقراض له هل يجوز للقاضي ان يأذن للملتقط في الانفاق عليه من مال نفسه ليرجع نص الشافعي على الجواز ونص في الضالة انه لا يأذن لواجدها في الانفاق من مال نفسه ليرجع على صاحبها بل يأخذ المال منه ويدفعه إلى امين ثم الأمين يدفع إليه كل يوم بقدر الحاجة فاختلف أصحابه فقال أكثرهم المسألة على قولين أحدهما المنع في الصورتين وبه قال المزني والا كان قابضا للغير من نفسه ومقبضا وأشبههما عندهم الجواز لما في الاخذ والرد شيئا فشيئا من العسر والمشقة ولا يبعد ان يجوز للحاجة تولي الطرفين ويلحق الأمين بالأب في ذلك ومثل هذا الخلاف آت فيما إذا أنفق المالك عند هرب العامل في المساقاة والمكتري عند هرب الجمال وقال آخرون بظاهر النصين وفرقوا بان اللقيط لاولى له ظاهرا فجاز ان يجعل القاضي الملتقط وليا وصاحب اللقطة قد يكون رشيدا لا يولي عليه إذا تقرر هذا فأكثر الشافعية طردوا الطريقين في جواز ترك المال في يد الملتقط والاذن في الانفاق والأحسن عندهم ما ذهبنا نحن إليه وهو القطع بالجواز لان ما ذكرنا من اتحاد القابض والمقبض لا يتحقق هنا بل هو لقيم اليتيم يأذن له القاضي في الانفاق عليه من ماله وعلى ما قلناه من جواز الاذن له في الانفاق فإذا اذن ثم بلغ اللقيط واختلفا فيما أنفق قدم قول الملتقط في قدره إذا لم يتجاوز المعروف وما يليق بحال الملتقط ويجئ للشافعية وجه اخر ان القول قول اللقيط ولو ادعى الملتقط الزايد على قدر المعروف فهو مقر على نفسه بالتفريط فيضمن ولا معنى للتحليف الا ان يدعي الملتقط الحاجة وينكرها اللقيط نعم لو وقع النزاع في عين مال فزعم الملتقط انه أنفقها صدق مع اليمين لتنقطع المطالبة بالعين ثم يضمن كالغاصب إذا ادعى التلف مسألة: ولو لم يتمكن من مرافعة (مراجعة) الحاكم أو لم يكن هناك حاكم فإنه ينفق الملتقط من مال الطفل عليه بنفسه وهو أحد قولي الشافعية لأنه موضع ضرورة فأبيح له ذلك والا لزم تضرر الصبي والثاني الملتقط يدفع المال إلى امين لينفق عليه والأصح عندهم الأول إذ لا فرق بين دفعه إلى الأمين والى اللقيط إذا ثبت هذا فهل يجب الاشهاد الأقرب ذلك لان الاشهاد مع عدم الحاكم قائم مقام اذن الحاكم مع وجوده كما في الضالة وإذا اشهد على الانفاق لم يضمن وهو أحد قولي الشافعية لأنه موضع ضرورة والثاني انه يضمن ولو لم يشهد مع القدرة على الاشهاد وضمن ولا معها فلا ضمان وللشافعية فيها وجهان أحدهما انه يضمن مع القدرة على الاشهاد وعدمها والثاني انه يضمن مع القدرة لا مع عدمها المطلب الثالث: في احكام اللقيط وفيه مباحث البحث الأول: في اسلامه وكفره مسألة اسلام الشخص قد يكون بالاستقلال من نفسه وقد يكون بالتبعية لغيره إما الأول فإنما يتحقق في طرف البالغ العاقل بان يباشر الاسلام إما بالعبادة إن كان ذا نطق أو بالإشارة المفهمة إن كان أخرس واما الصبي فلا يصح اسلامه لأنه غير مكلف ولا
(٢٧٣)