فمات فلان مفلسا أو جحد المحال عليه الحوالة ولا بينة بطلت الحوالة وعاد دين المحتال على المحيل وقد بينا ما عندنا في ذلك ولو كانت الحوالة مقيدة بوديعة كانت عند المحال عليه فهلكت الوديعة واستحقت بطلت الحوالة وعاد الدين إلى المحيل لان المحتال لم يضمن المال مطلقا وبه قال أبو حنيفة ولو كانت الحوالة مقيدة بغصب كان عند المحال عليه فاستحق الغصب بطلت الحوالة ولو ملك لم تبطل إذا كان مليا بمال الحوالة لان مال الضمان قايم مقام عين المغصوب ومهما دام المال الذي قصد به الحوالة قائما لا يكون للمحيل ان يأخذ ماله ولا دينه من المحال عليه لان ذلك المال صار مشغولا بمال الحوالة ولو كاتب المولى أم ولده ثم أحال غريمه عليها بمال الكتابة ثم مات المولى انعتقت أم الولد وبطلت الكتابة قال أبو حنيفة ولا تبطل الحوالة استحسانا مسألة لو احاله بألف كانت للمحيل على المحال عليه وقبل الثلاثة صحت الحوالة ثم لو أبرأ المحتال المحال عليه عن مال الحوالة برئ المحيل والمحال عليه عن دين المحتال أما المحيل فبالحوالة وأما المحال عليه فبالابراء ويبرأ أيضا المحال عليه من دين المحيل لأنه بالحوالة نقل حقه من المحال عليه إلى المحتال وقال أبو حنيفة يرجع المحيل بدينه على المحال عليه وليس بجيد ولو وهب المحتال مال الحوالة للمحال عليه جازت الهبة وبطل ما كان للمحيل على المحال عليه ولا يكون للمحيل ان يرجع بدينه على المحال عليه وبه قال أبو حنيفة مسألة لو كانت الحوالة مقيدة بوديعة كانت عند المحال عليه فمرض المحيل فدفع المحال عليه الوديعة إلى المحتال ثم مات المحيل وعليه ديون كثيرة لم يضمن المستودع شيئا لغرماء المحيل لأنه دفع بأمر المحيل المالك الوديعة وهل يملكها المحتال حينئذ الأقرب ذلك عملا بالحوالة الناقلة وقال أبو حنيفة لا تسلم الوديعة للمحتال بل تكون بينه وبين غرماء المحيل بالحصص لان الدفع وقع حالة الحجر بالمرض ولو أن المحال عليه أمسك الوديعة لنفسه وقضى دين المحتال من مال نفسه قال أبو حنيفة تكون الوديعة ولا يكون متبرعا استحسانا والأقرب ذلك ان تراضيا وهو المحتال على أخذ العوض فإن لم يقع بينهما عقد مراضاة كان للمحتال ان يرجع إلى العين وللمحال عليه استرداد ما دفعه إليه مسألة لو كان على رجل دين لرجل فأحال صاحب الدين بجميع ماله عليه وهو الف مثلا على رجل وقبل المحال عليه الحوالة أحال المحتال على رجل اخر بجميع ماله عليه وقبل المحال عليه الثاني قال أبو حنيفة يكون الحوالة الثانية نقضا للأولى لأنه لا صحة للثانية الا بعد نقض الأولى والمحيل والمحتال يملكان النقض فإذا نقضا الحوالة الأولى انتقضت وبرئ المحال عليه الأول بخلاف ما إذا كان المديون اعطى صاحب الدين كفيلا اخر بعد الكفيل الأول فان الكفالة الثانية لا تكون ابطالا للكفالة الأولى لان المقصود من الكفالة التوثيق مع بقاء الدين على الأصيل وضم الكفيل إلى الكفيل يزيد في التوثيق وهذا غير صحيح على أصلنا لان الحوالة ناقلة فإذا صار الدين الذي على المحال عليه للمحيل (للمحتال) لم يمكن النقض لأنا نعتبر رضي المحال عليه نعم لو كان المحيل قد قصد بالحوالة الثانية الحوالة بما على المحال عليه من المال صح وبرئ المحال عليه وكان متبرعا بالحوالة عن المحال عليه ولا يرجع على أحد مسألة إذا احتال بالحال على شرط الصبر مدة وجب تعيينها وصح الشرط عندنا خلافا لأحمد على ما بيناه ولو لم يعين المدة بطلت الحوالة لبطلان شرطها ولو شرط أداء المال من ثمن دار المحال عليه أو من ثمن عبده صح الشرط لعموم قوله (ع) المؤمنون عند شروطهم وبه قال أبو حنيفة وهل يجبر المحال عليه على بيع داره أو عبده معجلا الأقرب ذلك إن كانت الحوالة معجلة والا عند الاجل وقال أبو حنيفة لا يجبر على البيع وهو بمنزلة ما لو قبل الحوالة على أن يعطي المال عند الحصاد أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجبر على أداء المال قبل الاجل إذا عرفت هذا فهل يشترط الا حل في مثل هذه الحوالة يحتمل ذلك إذا الثمن ليس موجودا في الحال بل لابد من مضي مدة يحصل فيها الراغب في الشراء ولو قل زمانه فأشبه المكاتب إذا عقد الكتابة حالة فحينئذ يجب تعيين المدة خلافا لأبي حنيفة مسألة لو كان عليه دين لزيد فأحال زيدا به على عمرو وليس للمديون على عمرو شئ وقبل صحت الحوالة على الأقوى وبه قال أبو حنيفة فإذا جاء فضولي وقضى الدين عن المحال عليه تبرعا كان للمحال عليه ان يرجع على المحيل كما لو أدى المحال عليه المال بنفسه وليس عليه دين فإنه يرجع على المحيل وبه قال أبو حنيفة ولو كان للمحيل دين على المحال عليه فجاء الفضولي وقضى دين المحتال عن المحيل الذي عليه أصل المال لم يكن للمحيل ان يرجع بدينه على المحال عليه عندنا لان قضاء الفضولي عنه كقضائه بنفسه ولو قضى المحيل دين الطالب بمال نفسه بعد الحوالة لم يكن له الرجوع إذا كان متبرعا وقال أبو حنيفة يرجع وقد سلف بطلانه فعلى قوله لو اختلف المحيل والمحال عليه كل واحد منهما يدعي ان الفضولي قضى عنه رجع إلى الفضولي فان مات قبل البيان قال أبو حنيفة يكون القضاء عن المحال عليه لان القضاء يكون عن المطلوب ظاهرا مسألة لو أحال البايع غريما له على المشتري حوالة مقيدة بالثمن لم يبق للبايع حق الحبس ولو أحال المشتري البايع على غريم له قال أبو حنيفة يكون للبايع حق الحبس وقال لو أحال الزوج امرأته بصداقها على اخر كان للزوج ان يدخل بها ولو أحالت المراة على زوجها بالمهر غريما لها كان لها ان تمنع نفسها لان غريمها بمنزلة وكيلها فما لم يصل الصداق إلى وكيلها كان لها حق المنع ويشكل إذا جعلنا الحوالة استيفاء المقصد السادس في الوكالة وفيه فصول الأول في حقيقتها ومشروعيتها مسألة الوكالة عقد شرع للاستنابة في التصرف وهي جايزة بالكتاب والسنة والاجماع إما الكتاب فقوله تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها فجوز العمل وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وقوله تعالى فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وهذه وكالة وقوله تعالى اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأت بصيرا وهذه وكالة واما السنة فما روى العامة عن جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وقلت له إني أريد الخروج إلى خيبر فقال إذا لقيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فان ابتغى منك أية فضع يدك على ترقوته وروى عنه صلى الله عليه وآله انه وكل عمرو بن أمية الضميري في قبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان ووكل أبا رافع في نكاح ميمونة وروى عروة بن الجعد البارقي قال عرض للنبي صلى الله عليه وآله فأعطاني دينارا فقال يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار وأتيت النبي صلى الله عليه وآله بالدينار والشاة فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال كيف صنعت قال فحدثته الحديث فقال اللهم بارك في صفقة يمينه وروي انه وكل حكيم بن حزام في شراء شاة ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) من وكل رجلا على امضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة ابدا حتى يعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها وغير ذلك من الأحاديث وقد أجمعت الأمة في جميع الأعصار والامصار على جواز الوكالة في الجملة ولان اشتداد الحاجة الداعية إلى التوكيل ظاهرة فإنه لا يمكن كل أحد مباشرة جميع ما يحتاج إليه من الافعال فدعت الضرورة إلى الاستنابة فكانت مشروعة ولا بد في الوكالة من عقد مشتمل على ايجاب وقبول ومن موكل يصدر عنه الايجاب ومن وكيل يصدر عنه القبول ومن أمر تقع الوكالة فيه فأركان الوكالة أربعة نحن نذكرها في فصل ثم نعقب باحكام الوكالة في فصل اخر انشاء الله تعالى الفصل الثاني: في أركان الوكالة وفيه أربعة مباحث الأول في الصيغة الوكالة عقد يتعلق به حق كل واحد من المتعاقدين فافتقر إلى الايجاب والقبول كالبيع والأصل فيه عصمة مال المسلم ومنع غيره من التصرف فيه الا باذنه فلابد من جهة الموكل من لفظ دال على الرضي بتصرف الغير له وهو كل لفظ دال على الاذن
(١١٣)