اقرارا به مسألة لو أقر بالهبة والقبض معا فقال وهبته وأقبضت أو سلمته منه أو أخذه مني لزمه الاقرار وحكم عليه بمقتضاه فان عاد وأنكر القبض لم يلتفت إلى انكاره لاشتماله على تكذيب نفسه سواء ذكر لاقراره تأويلا بان يقول كان وكيلي اخبرني بأنه اقبضه فأقررت به ولم يكن قد قبض أو لم يذكر ولو قال إني أقررت بالقبض لقضاء العادة بالاقرار بالشئ قبل تحققه فاحلفوه على أنه قبضه كان له احلافه وبه قال الشافعي وقال أبو إسحاق ان لم يكذب نفسه احلف له بان يقول كان وكيلي اخبرني بأنه كان قبضه فأقررت به والشافعي لم يفرق بين الحالين لان العادة جرت ان يشهد قبل ان يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه وكذا قبض الثمن والرهن والوقف وكذا لو أقر انه اقترض منه ألفا وقبضها ثم قال ما كنت قبضت وانما أقررت على رسم الشهادة لأقبض كان على المقر له اليمين لان ذلك محتمل بحكم العادة ولو شهدت البينة بالقبض ثم قال احلفوه اني أقبضته لم تسمع دعواه لأنه طعن في البينة هذا إذا شهدت البينة بمشاهدة القبض ولو شهدت بالاقرار به فهو كما تقدم مسألة لو أقر ببيع أو هبة وقبض ثم قال كان ذلك فاسد أو أقررت لظني الصحة لم يصدق لكن له تحليف المقر له فان نكل حلف المقر وحكم ببطلان البيع والهبة ولو أقر باتلاف مال على انسان واشهد عليه ثم قال كنت عازما على الاتلاف فقدمت الاشهاد على الاتلاف لم يقبل منه بحال بخلاف ما لو اشهد على نفسه بدين ثم قال كنت عازما على أن استقرض منه فقدمت الاشهاد على الاستقراض لان هذا معتاد وذلك غير معتاد والوجه عندي تساوي الصورتين لأنه في الأولى ادعى دعوى لو صدقه المقر له برئ فكان له احلافه لانتفاعه بالنكول مسألة يصح الاقرار بالعربية وغيرها من اللغات لأنه اخبار فلا ينحصر طريقه في لغة دون أخرى لدلالة كل واحد من اللغات على المعنى المراد فيصح اقرار كل أهل لغة بلغتهم وغير لغلتهم إذا عرفوها صحيحة فلو أقر أعجمي بالعربية أو بالعكس ثم قال لم افهم معناه لكن لقنت فتلقنت صدق باليمين إن كان ممن يجوز عليه ذلك وممن يخفى عليه وكذا البحث في جميع العقود والايقاعات ولو أقر ثم قال كنت يوم الاقرار صغيرا وهو محتمل صدق بيمينه إذ الأصل عدم الكبر وكذا لو قال كنت مجنونا يوم الاقرار وعد عهد له الجنون لأصالة البراءة والاستصحاب ولو قال كنت مكرها وهناك امارة الاكراه من حبس أو وكيل فكذلك وان لم يكن هناك امارة لم يقبل قوله والامارة انما تثبت باقرار المقر له أو بالبينة وانما تؤثر إذا كان الاقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل إما لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره لم يقدح ذلك في الاقرار للمقر له ولو شهد الشهود على اقراره وتعرضوا لبلوغه وصحة عقله واختياره فادعى المقر خلافه لم يقبل لما فيه من تكذيب الشهود إما لو ادعى الاكراه وأقام به البينة وشهدت بينة المقر له بالاختيار قدمت بينة المقر لأنها تشهد بأمر زايد ربما خفي عن بينة المقر له مسألة إذا شهد الشهود باقرار رجل سمعت شهادتهم ولم يفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا في صحة من عقله طايعا غير مكره حالة بلوغه وحريته ورشده بل يعول على الاكتفاء بان الظاهر وقوع الشهادة على الاقرار الصحيح فان قالوا ذلك كان تأكيدا لأن الظاهر سلامة العقل وعدم الاكراه لأنه هو الأصل والظاهر أيضا من حال الشهود صحة الشهادة فإنهم لا يشهدون على زايل العقل ولا مكره فان ادعى المشهود عليه انه كان حين الاقرار زايل العقل فان صدقه المشهود له بطلت الشهادة وان كذبه أحلف المشهود له لان الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله لانهم يتحملون الشهادة على الظاهر فلما أمكن صدق المدعي حلف المشهود له ولو كان المقر مجهول الحرية لم يشترط تعرض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحرية وبني على أصالة الحرية وهو الظاهر من مذهب الشافعية ولهم قول آخر يشترط التعرض للحرية وخرجوا منه اشتراط التعرض لسائر الشروط لكن المشهور عندهم الأول وكل ما يكتب في الوثايق من أنه أقر طوعا في صحة من عقله وجواز أمر ضرب من الاحتياط وقد بينا ان بينة الاكراه تقدم على بينة الاجبار لو تعارضتا ولا تقبل الشهادة على الاكراه مطلقا بل لابد من التفصيل المطلب الرابع في تعقيب الاقرار لواحد بالاقرار لغيره مسألة لو قال غصبت هذه الدار من زيد وهي ملك عمرو سلمت إلى زيد لاعترافه له باليد والظاهر كونه محقا فيها لان قوله غصبتها من زيد يقتضي انها كانت في يده بحق وقوله وملكها لعمرو لا ينافي ذلك لأنه يجوز ان يكون في يده بإجارة أو وصية فإذا سلمها إلى زيد وادعاها عمرو كانت الخصومة بين زيد وعمرو ولم تقبل شهادة المقر لأنه غاصب فلا تقبل شهادته لعمرو إذا ثبت هذا فهل يغرم المقر لعمرو للشافعية طريقان أحدهما انه على القولين كما إذا قال غصبتها من زيد لا بل من عمرو وأصحهما عندهم القطع بأنه لا يغرم لان الاقرارين هناك متنافيان والاقرار الأول مانع من الحكم بالثاني وهنا لا منافاة لجواز ان يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيد بإجارة أو رهن أو وصية بالمنافع فيكون الاخذ منه غصبا منه ونقل بعض الشافعية عن الشافعي قولا واحدا وهو عدم الغرم بخلاف ما إذا قال هذه الدار لزيد لا بل لعمرو حيث يغرم لأنه أقر للثاني بما أقر به للأول ويعارض اقراره في صورة النزاع لا منافاة بين اقراره وليس الثاني رجوعا عن الأول فلم يلزمه ضمان به ويكون القول قول زيد لان له يدا فيها ولو اخر ذكر الغصب فقال هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتها من زيد فللشافعية طريقان منهم من قال لا فرق بين ان يقدم الغصب وبين ان يؤخره لأنهما لا يتنافيان فيسلم إلى زيد ولا يغرم لعمرو ومنهم من قال إذا أقر بالملك لعمرو لم يقبل اقراره باليد لزيد ووجب تسليمه إلى عمرو وفي الغرم لزيد القولان قيل إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني فإنما تغرمه القيمة لأنه أقر له بالملك وهنا جعلناه مقرا باليد دون الملك فلا وجه لتغريمه القيمة بل القياس ان يسال عن يده أكانت بإجارة أو رهن أو غيرهما فان اسندها إلى الإجارة غرم قيمة المنفعة وان اسندها إلى الرهن غرم قيمة المرهون ليتوثق به زيد وكأنه أتلف المرهون ثم إن وفي الدين من موضع آخر ترد القيمة إليه مسألة لو قال هذه الدار غصبتها من زيد لا بل من عمرو أو قال غصبت هذه الدار من زيد وغصبها زيد من عمرو أو قال هذه الدار لزيد لا بل لعمرو فإنه يسلم الدار إلى زيد المقر له أولا في المسائل الثلاث وهل يغرم المقر القيمة لعمرو الأقرب الغرم وهو أصح قولي الشافعية وبه قال أحمد بن حنبل لأنه حال بين عمرو وبين داره باقراره الأول لزيد والحيلولة سبب الضمان كالاتلاف فإنه لو غصب عبدا فابق في يده ضمنه وكذا لو شهد اثنان على شخص بأنه أعتق عبده ثم رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق فإنهما يغرمان القيمة لمولاه لأنهما حالا بينة وبين عبده بشهادتهما كذا هنا والثاني انه لا يغرم لأنه أقر للثاني بما عليه وانما منع الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضمان عليه ولان الاقرار للثاني صادف ملك الغير فلا يلزمه شئ كما لو أقر بالدار لعمرو التي هي في يد زيد وقطع بعض الشافعية في الصورة الثالثة وهي ما إذا قال هذه الدار لزيد لا بل لعمرو بعدم الغرم لأنه لم يقر بخيانة في مال الغير بخلاف الصورتين الأولتين فإنه أقر فيهما بالغصب فضمن لذلك وقال أبو حنيفة إذا قال غصبت هذه الدار من فلان لا بل من فلان غرم للثاني ولو قال هذه لفلان بل لفلان لا يغرم للثاني وتدفع إلى الأول وفرق بان الغصب سبب الضمان فإذا أقر به لزمه فاما اقراره فليس سبب الضمان وقد اختلفت الشافعية في موضع القولين حيث بينا فقال بعضهم انهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المقر وسلمها إلى زيد فاما إذا سلمها المقر بنفسه
(١٦٩)