إلى وقت كذا ثم لم يحضره وجب عليه ما قامت به البينة للمضمون عنه ولا يلزمه ما لم تقم به البينة مما يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب وانما يلزمه ما قامت له به البينة أو يحلف خصمه عليه فان حلف على ما يدعيه واختار ذلك هو وجب عليه الخروج منه وهذا يشعر بجواز ضمان المجهول وبه قال أبو حنيفة ومالك وعن أحمد روايتان وللشافعية طريقان أحدهما انه على القولين القديم انه يصح والجديد المنع والثاني القطع بالمنع واحتج المجوزون بقوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم وحمل البعير مجول ويختلف باختلاف الأجناس والعموم قوله تعالى الزعيم غارم ولأنه التزام حق في الذمة عن معاوضته فصح مع الجهالة كالنذر والاقرار ولأنه يصح تعليقه بغرر وخطر وهو ضمان العهدة وكما إذا قال لغيره الق متاعك في البحر وعلي ضمانه أو قال ادفع ثيابك إلى هذا وعلي ضمانها فصح في المجهول كالعتق والطلاق تذنيب ان قلنا بصحة ضمان المجهول فإنما يصح في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك كما لو قال انا ضامن للدين الذي عليك أو انا ضامن لثمن ما بعت من فلان وهو جاهل بالدين والثمن لان معرفته ممكنة والخروج عن العهدة مقدور عليه أما لو لم يمكن الاستعلام فان الضمان فيه لا يصح قولا واحدا كما لو قال ضمنت لك شيئا مما لك على فلان مسألة الابراء عندنا من المجهول يصح لأنه اسقاط عما في الذمة بل هو أولى من ضمان المجهول لأن الضمان التزام والابراء اسقاط والخلاف المذكور للشافعية في ضمان المجهولات لهم في الابراء وذكروا الخلاف في الابراء مأخذين أحدهما الخلاف في صحة شرط البراءة من العيوب فان العيوب مجهولة الأنواع والاقدار والثاني ان الابراء محض اسقاط كالاعتاق أو هو تمليك للمديون ما في ذمته ثم إذا ملكه يسقط وفيه قولان ان قلنا إنه اسقاط صح الابراء عن المجهول كما ذهبنا نحن إليه وبه قال أبو حنيفة ومالك وان قلنا تمليك لم يصح وهو ظاهر مذهب الشافعي وخرجوا على هذا الأصل مسائل آ: لو عرف المبري قدر الدين ولم يعرفه المبرء عنه هل يصح أم لا وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الوكالة ب: لو كان له دين على اثنين فقال أبرأت أحدكما ان قلنا إنه اسقاط صح وطولب بالبيان وان قلنا تمليك لم يصح كما لو كان في يد كل واحد منهما ثوب فقال ملكت أحدكما الثوب الذي في يده ج: لو كان للأب دين على شخص فأبرأه الولد وهو لا يعلم موت أبيه ان قلنا إنه اسقاط صح كما لو قال لعبد أبيه أعتقتك وهو لا يعلم موت الأب وان قلنا إنه تمليك فهو كما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي وهو ميت د: الابراء إذا كان اسقاطا لم يحتج إلى القبول وهو ظاهر مذهب الشافعي وان قلنا إنه تمليك أيضا لأنه وإن كان تمليكا فالمقصود منه الاسقاط فان اعتبرنا القبول ارتد بالرد وان لم نعتبره ففي ارتداده بالرد وجهان للشافعية وعندنا انه لا يرتد واحتج بعض الشافعية على أن الابراء تمليكا بأنه لو قال للمديون ملكتك ما في ذمتك صح وبرئت ذمته من غير نية وقرينة ولولا أنه تمليك لافتقر إلى نية أو قرينة كما إذا قال العبد ملكتك رقبتك أو لزوجته ملكتك نفسك فإنه يحتاج عندهم إلى النية ولا يتأتى ذلك على مذهبنا لان العتق والطلاق لا يقعان بالكناية وان الابراء عندنا اسقاط محض ولا يعتبر فيه رضي المبراء ولا اثر لرده تذنيب لو اغتاب شخص غيره ثم جاء إليه فقال اني اغتبتك فاجعلني في حل ففعل وهو لا يدري بم اغتابه فللشافعية وجهان أحدهما انه يبرأ لان هذا اسقاط محض فصار كما لو عرف ان عبدا قطع عضوا من عبده ولم يعرف عين العضو المقطوع فعفى عن القصاص يصح والثاني لا يصح لان المقصود حصول رضاه والرضا بالمجهول لا يمكن بخلاف مسألة القصاص لان العفو عن القصاص مبني على التغليب والسراية واسقاط المظالم غير مبني عليه مسألة إذا منعنا من ضمان المجهول فلو قال ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة فالأقوى الصحة لأن الضمان المجهول إذا أبطلناه فإنما كان باطلا لما فيه من الغرر ومع بيان الغاية ينتفي الغرر فينتفي المقتضي للفساد ويبقى أصل الصحة سليما عن المبطل وحيث وطن نفسه على تلك الغاية فأي غرر يبقى فيه وهو أحد قولي الشافعي والثاني لا يصح لما فيه من الجهالة فإذا قلنا بالصحة وكان له عليه عشرة أو أكثر فيلزمه العشرة ادخالا للطرفين في الملتزم وهو المتعارف وهو أحد وجوه الشافعية والثاني انه يلزمه ثمانية اخراجا للطرفين والثالث تسعة ادخالا للطرف الأول لأنه مبدأ الالتزام وما اخترناه أصحهما عندهم أما لو قال ضمنت لك ما بين درهم وعشرة فان عرف ان دينه لا ينقص عن عشرة صح ضمانه وكان ضامنا لثمانية وان لم يعرف ففي صحته في الثمانية للشافعية قولان ولو قال ضمنت لك الدراهم التي على فلان وقلنا ببطلان ضمان المجهول وهو لا يعرف قدرها احتمل صحة ضمان ثلثه لدخولها قطعا في اللفظ على كل حال كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم هل يصح في الشهر الأول للشافعية وجهان وعلى كل هذه المسائل آتية في الابراء تذنيب هل يجوز ضمان الزكاة عن من هي عليه الأقوى عندي الجواز لأنها دين ثابت لله تعالى فجاز ضمانها والمضمون له هنا الحاكم أو المستحق اشكال وللشافعية وجه يمنع الضمان لأنها حق لله تعالى فأشبه الكفالة ببدن الشاهد لأداء الشهادة وعلى ما اخترناه هل يعتبر الاذن عند الأداء للشافعية وجهان أظهرهما الاعتبار تذنيب يجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمم كالأموال لأنها مستحقة في ذمة المضمون عنه معلومة فلا مانع من صحة ضمانها كالأموال. البحث الثاني في ضمان العهدة مسألة من باع شيئا فخرج المبيع مستحقا لغير البايع وجب على البايع رد الثمن ولا حاجة فيه إلى شرط والتزام قال بعض العلماء من الحماقة اشتراط ذلك في القبالات وان ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقا فهو ضمان العهدة ويسمى أيضا ضمان الدرك سمط ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البايع رده أو لما ذكره صاحب الصحاح فقال يقال في الامر عهدة بالضم اي لم يحكم بعد وفي عقله عهدة اي ضعف فكان الضامن ضمن ضعف العقل والتزام ما يحتاج إليه فيه من غرم أو ان الضامن التزم رجعة المشتري عليه عند الحاجة واما الدرك فقال في الصحاح الدرك التبعة وقيل سمى ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عند ادراك المستحق عين ماله وهذا الضمان عندنا صحيح إن كان البايع قد قبض الثمن وان لم يكن قد قبض لم يصح وللشافعي في صحة ضمان العهدة طريقان أظهرهما انه على قولين أحدهما انه لا يصح لأنه ضمان ما لم يجب ولأنه لا يجوز الرهن به فكذا الضمين وأصحهما وهو قول الشافعي في كتاب الاقرار انه صحيح وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد لاطباق الناس عليه وايداعه الصكوك في جميع الأعصار ولان الحاجة تمس إلى معاملة من لا يعرف من الغرماء ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق فيحتاج إلى التوثيق والثاني القطع بالصحة ويمنع كون ضمان العهدة ضمان ما لم يجب لأنه إذا ظهر عدم استحقاق البايع للعين ظهر استحقاق الثمن عليه وثبوته في ذمته وانه يجب عليه رد الثمن إلى المشتري الا انا لم نكن نعرف ذلك لخفاء الاستحقاق عندنا ونمنع عدم جواز الرهن عليه وقد روى داود بن سرحان عن الصادق (ع) قال سألته عن الكفيل والرهن في بيع النسيئة قال لا بأس سلمنا لكن الفرق ظاهر لان تجويز الرهن يؤدي إلى أن تبقى العين مرهونة ابدا مسألة قد بينا ان الضمان في عهدة الثمن ودركه إن كان بعد قبض البايع الثمن صح وبه قال الشافعي في أصح القولين عنده وإن كان قبله فوجهان عنده أصحهما البطلان كما قلناه نحن لان الضامن انما يضمن ما دخل في ضمان البايع ولزمه رده وقبل القبض لم يتحقق ذلك والثاني الجواز لان الحاجة تمس إليه والضرورة تعود إليه إذ ربما لا يثق المشتري بتسليم الثمن الا بعد الاستيثاق واعلم أن ضمان العهدة في المبيع يصح عن البايع للمشتري وعن المشتري للبايع أما ضمانه عن البايع للمشتري فهو ان يضمن عن البايع الثمن متى خرج المبيع مستحقا أو رد بعيب أو أرش العيب وأما ضمانه عن المشتري للبايع فهو ان يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه وان ظهر فيه عيب أو استحق رجع بذلك على الضامن فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن أو جزء منه
(٩١)