يتملك الانسان بتمليك الغير شيئا من غير رضاه والقول الثاني للشافعي انه لا يشترط رضاه وهو قول الشيخ رحمه الله لان عليا (ع) وأبا قتادة ضمنا الدين عن الميت والنبي صلى الله عليه وآله لم يسئل عن رضي المضمون له ثم قال الشيخ رحمه الله ولو قيل إن من شرطه رضي المضمون له كان أولى بدلالة انه اثبات حق في الذمة فلا بد من اعتبار رضاه كساير الحقوق ثم قال والأول أليق بمذهبنا لان الثاني قياس إذا عرفت هذا فقد قال أبو يوسف بالقول الثاني للشافعي أيضا لأن الضمان محض التزام وليس موضوعا على قواعد المعاملات مسألة أبو حنيفة وافقنا على اشتراط رضي المضمون له في الضمان الا في مسألة واحدة استثناها وهي ان المريض لو التمس من الورثة ان يضمنوا دينه فأجابوا صح وان لم يرهن المضمون له مسألة نحن وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين لما اشترطنا في صحة الضمان رضي المضمون له تفرع عندنا فرع وهو انه هل يشترط قبول المضمون له أو لا بل يكفي في صحة الضمان الرضي اشكال ينشأ من أنه تملك في مقابلة التمليك الضامن فيعتبر فيه القبول كساير التملكات والتمليكات ومن أصالة عدم الاشتراط مع قيام الفرق بينه وبين ساير التملكات فان الضمان لا يثبت ملك شئ جديد وانما يتوثق به الدين الذي كان مملوكا وينتقض بالرهن فإنه لا يفيد الا التوثيق ويعتبر فيه القبول وللشافعية قولان كالاحتمالين لكن الأصح عندهم الثاني والأقرب عندي الأول لأنه عقد فلا بد من القبول قال بعض الشافعية يقرب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة لان كل واحد منهم تجدد سلطنة لم تكن فان شرطنا القبول فليكن بينه وبين الضمان من التواصل ما بين الايجاب والقبول في سائر العقود وان لم نشترط فيجوز ان يتقدم وقد فرع الجويني على عدم اشتراط رضي المضمون له فقال إذا ضمن من غير رضاه نظر ان ضمن بغير اذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار ان شاء طالب الضامن وان شاء تركه وإن كان الضمان باذنه فحيث قلنا يرجع الضامن على المضمون عنه على قبوله لان ما يؤديه في حكم ملك المضمون عنه وحيث قلنا لا يرجع فهو كما لو قال لغيره أد ديني عني ولم يشترط الرجوع وقلنا انه لا يرجع ويستحق المدين والحال هذه ان يمتنع من القبول فيه وجهان بناء على أن المؤدي يقع فداء أو موهوبا ممن عليه الدين ان قلنا بالثاني لم يكن له الامتناع وهو الأشهر عندهم وقد ظهر من هذا ان للشافعية في اشتراط المعرفة المضمون له والمضمون عنه ثلاثة أقوال قال بعضهم لا يشترط معرفتهما وقال آخرون يشترط معرفتهما وقال قوم يشترط معرفة المضمون له دون المضمون عنه إذ لا معاملة معه وزاد الجويني قولا رابعا وهو اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له النظر الخامس في حق المضمون به مسألة يشترط في حق المضمون به امران الأول المالية فلا يصح ضمان ما ليس بمال والضابط فيه ان يكون مما يصح تملكه وبيعه فكما لا يصح بيع المحرمات والربويات وغيرهما مما تقدم كذا لا يصح ضمانها الثاني الثبوت في الذمة فلو ضمن دينا لم يجب بعد وسيجب بقرض أو بيع أو شبههما لم يصح ولو قال لغيره ما أعطيت فلانا فهو علي لم يصح أيضا عند علمائنا أجمع وبه قال احمد لأن الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الدين فإذا لم يكن على المضمون عنه شئ فلا ضم فيه ولا يكون ضمانا ولأن الضمان شرع لوثيقة الحق فلا يسبق (لا يستحق) وجوب الحق كالشهادة وللشافعية هنا طريقان أحدهما قال ابن شريح المسألة على قولين القديم انه يصح ضمان ما لم يثبت في الذمة ولم يجب لان الحاجة قد تمس إليه كما أنه في القديم جوز ضمان نفقة المستقبل وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والجديد المنع وبه قال احمد والثاني القطع بالمنع ويخالف ضمان النفقة لان النفقة على القديم يجب بالعقد فضمانها ضمان ما وجب لا ما لا يجب مسألة لو قال ضمنت لك ما تبيعه من فلان فباع الشئ بعد الشئ لم يصح هذا الضمان عندنا وهو أحد قولي الشافعي وفي القديم يصح ويكون ضامنا للكل لان ما من أدوات الشرط فيقتضي التعميم ولو قال إذا بعت من فلان فانا ضامن فإنه يضمن الأول لا غير لان إذا ليست من أدوات الشرط وقال أبو حنيفة إذا قال لغيره إذا بعت فلانا شيئا فهو علي فباعه شيئا ثم باعه شيئا اخر لزم الضامن المال الأول خاصة ولو قال ما بعته اليوم فهو علي لزمه ما يبيعه اليوم ولو قال من باع فلانا اليوم فهو علي فباعه رجل لا يلزم الضمان مسألة إذا شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدين فهنا أي في صورة ضمان ما لم يجب أولى وان لم نشترط فللشافعية وجهان وكذا معرفة المضمون عنه وإذا ضمن ما لم يجب فلا يطالب الضامن ما لم يلزم الدين على الأصيل فيطالب حينئذ عند من جوزه وأما عندنا فلا قال مجوزوه إذا ضمن ما لم يجب ثم رجع عن الضمان فإن كان بعد لزوم المال لم يكن له الرجوع قبله فعن ابن شريح من الشافعية ان له ان يرجع وقال غيره من الشافعية لا يرجع لان وضع الضمان على اللزوم وعلى قولنا ببطلان ضمان ما لم يثبت لو قال اقرض فلانا كذا وعلي ضمانه فارقضه قال بعض الشافعية المذهب انه لا يجوز وقال ابن شريح انه يجوز لأنه ضمان مقرون بالقبض مسألة يصح ضمان النفقة الماضية للزوجة سواء كانت نفقة الموسرين أو نفقة المعسرين وكذا ضمان الادام ونفقة الخادم وساير المؤن لأنها يثبت في الذمة واستقرت بمضي الزمان وكذا يصح ضمان نفقة اليوم الحاضر لأنها تجب بطلوع الفجر وأما النفقة المستقبلة كنفقة الغد والشهر المستقبل والسنة المستقبلة فإنها غير واجبة في الذمة فلا يصح ضمانها لان النفقة عندنا انما تجب بالعقد والتمكين والتمكين في المستقبل لم يحصل فلم تجب النفقة الا مع حصوله فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب وهو القول الجديد للشافعي وقال في القديم يصح وهو مبني على أن النفقة يجب بالعقد خاصة والأول مبنى على انها تجب بالعقد والتمكين وقال الجويني ان قلنا بالقديم صح الضمان وان قلنا بالثاني فالأصح البطلان وفيه قول آخر مع تفريعنا على أن ضمان ما لم يجب باطل لان سبب وجوب النفقة ناجز وهو النكاح وفيه اشكال لان سبب وجوب النفقة إما النكاح أو التمكين في النكاح فإن كان الأول فالنفقة واجبة فكيف قال ولم تجب وإن كان الثاني فالسبب غير موجود مسألة قد بينا ان نفقة ضمان المدة المستقبلة للزوجة باطل وعلى قول الشافعي بالجواز يشترط امران أحدهما ان يقدر المدة فلو اطلق لم يصح فيما بعد الغد وفي الغد وجهان اخذا من الخلاف فيما إذا قال اجرتك كل شهر بدرهم ولم يقدر هل يصح في الشهر الأول قولان الثاني ان يكون المضمون نفقة المعسرين وإن كان المضمون عنه موسرا أو متوسطا لأنه ربما يعسر فالزايدة على نفقة المعسر غير ثابت لأنه يسقط بالعسر وقال بعض الشافعية انه يجوز ضمان نفقة المعسرين والمتوسطين لأن الظاهر استمرار حاله وأما نفقة القريب للمدة المستقبلة فإنها عندنا أولى بالبطلان لعدم وجوبها وبه قال الشافعي أما نفقة اليوم فالأقرب جواز ضمانها لوجوبها بطلوع الفجر وللشافعي وجهان أحدهما انه لا يصح والفرق بينها وبين نفقة الزوجة ان سبيل هذه النفقة سبيل البر والصلة لا سبيل الديون ولهذا تسقط بمضي الزمان وضيافة الغير ونفقة الزوجة نفقة معاوضة فسبيلها سبيل الديون مسألة لا يشترط في المال اللزوم بل مطلق الثبوت سواء كان مستقرا لازما كثمن المبيع إذا كان في الذمة أو متزلزلا كضمان الثمن في مدة الخيار فإنه يصح ضمانه وهو أصح وجهي الشافعي لأنه ينتهي إلى اللزوم بنفسه فيحتاج فيه إلى التوثيق واصل وضع البيع اللزوم والثاني لا يصح ضمانه لأنه ليس بلازم ويمنع اشتراط اللزوم وهذا الخلاف بين قولي الشافعي انما هو فيما إذا كان الخيار للمشتري أولهما أما إذا كان الخيار مختصا بالبايع فإنه يصح ضمانه بلا خلاف لان الدين لازم في حق من هو عليه وهو ممنوع وقال الجويني تصحيح الضمان في بيع الخيار مبنى على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البايع أما إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بعده مسألة الحقوق على أربعة اضرب حق لازم مستقر كالثمن بعد قبض المبيع والأجرة بعد انقضاء المدة والمهر بعد الدخول وهذا يصح ضمانه
(٨٩)