أو استنبتك فيه أو احفظه أو هو وديعة عندك وما في معناه من الصيغ الصادرة من جهة المودع الدالة على الاستحفاظ ولا يعتبر القبول لفظا كما تقدم بل يكفي القبض يكفيه في العقار والمنقول وهو قول بعض الشافعية وقال بعضهم لا يكفي القبض بل لابد من لفظ دال على القبول وقال بعضهم إن كان المودع قد قال أودعتك وشبهه مما هو على صيغ العقود وجب القبول لفظا وان احفظه أو قال هو وديعة عندك لم يفتقر إلى لفظ يدل على القبول كما تقدم في الوكالة مسألة لابد من التنجيز فلو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك مالي معه لم يصح الايداع وهو قول بعض الشافعية لأصالة العدم وقال بعضهم يصح وقال آخرون منهم القياس يخرجه على الخلاف في تعليق الوكالة وقيل الايداع عبارة عن الاستنابة في الحفظ وهو توكيل خاص ويسميان في هذا التوكيل المودع والمودع ولو جاء بماله ووضعه بين يدي غيره ولم يتلفظ بشئ لم يحصل الايداع فان قبضه الموضوع عنده ضمنه وكذا لو كان قد قال من قبل اني أريد ان أودعك ثم جاء بالمال ولو قال هذه وديعتي عندك فاحفظه ووضعه بين يديه فان اخذه الموضوع عنده تمت الوديعة لأنا لا نعتبر القبول اللفظي وان لم يأخذه فإن لم يتلفظ بشئ لم يكن وديعة حتى لو ذهب وتركه فلا ضمان عليه لكن يأثم إن كان ذهابه بعد ما غاب المالك وان قال قبلت أو ضع فوضعه كان ايداعا كما لو أخذه بيده وبه قال بعض الشافعية وقال بعضهم لا يكون ايداعا ما لم يقبض وقال آخرون بالتفصيل فإن كان الموضع في يده فقال ضعه دخل المال في يده لحصوله في الموضع الذي في يده وان لم يكن كما لو قال انظر إلى متاعي في دكاني فقال نعم لم يكن وديعة وعلى ما اخترناه من أنه وديعة مطلقا لو ذهب الموضوع عنده وتركه فإن كان المالك حاضرا بعد فهو رد للوديعة وان غاب المالك ضمنه مسألة قد ذكرنا ان الوديعة من العقود الجايزة من الطرفين لكل منهما فسخها اجماعا وقد تقدم انه توكيل خاص والوكالة جايزة من الطرفين فإذا أراد المالك الاسترداد لم يكن للمستودع المنع ووجب عليه الدفع ولو أراد المستودع الرد لم يكن للمودع ان يمتنع من القبول لأنه متبرع بالحفظ ولو عزل المستودع نفسه ارتفعت الوديعة وبقي المال أمانة مطلقة شرعية في يده كالثوب الطائر بالهواء إلى داره وكاللقطة في يد الملتقط بعد ما عرف المالك وهو أحد قولي الشافعية والثاني ان العزل لغو والأصل في هذا الخلاف مبني على أن الوديعة مجرد اذن أم عقد ان قلنا إنها مجرد اذن فالعزل لغو كما لو اذن له في تناول طعامه للضيفان فقال بعضهم عزلت نفسي يلغو قوله ويكون له الاكل بالاذن السابق فعلى هذا يبقى الوديعة بحالها وان قلنا إنه عقد ارتفعت الوديعة وبقي المال أمانة مجردة وعليه الرد عند التمكن وان لم يطالب المالك وهو أظهر وجهي الشافعية ولو لم يفعل ضمن الفصل الثاني في المتعاقدين مسألة يشترط في المستودع والمودع التكليف فلا يصح الايداع الا من مكلف فلو أودع الصبي أو المجنون غيره شيئا لم يجز له قبوله منهما فان قبله واخذه من أحدهما ضمن ولا يزول الضمان الا بالرد إلى الناظر في امرهما ولو رده إليهما لم يبرأ من الضمان لأنهما محجور عليهما ولو خاف هلاكه فاخذه منهما ارفاقا لهما ونظرا في مصلحتهما على وجه الحسبة صونا له فالأقرب عدم الضمان لأنه محسن إليهما وقد قال تعالى ما على المحسنين من سبيل وهو أحد وجهي الشافعية والثاني انه لا ضمان عليه كالوجهين عندهم فيما إذا اخذ المحرم صيدا من خارجه ليتعهدها والظاهر عندهم عدم الضمان مسألة كما أن التكليف شرط في المودع كذا هو شرط في المستودع فلا يصح الايداع الا عند مكلف لأنه استحفاظ والصبي والمجنون ليسا من أهل الحفظ فلو أودع مالا عند صبي أو مجنون فتلف فلا ضمان عليهما إذ ليس على أحدهما حفظه فأشبه ما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ فتلف ولو أتلفه الصبى أو المجنون فالأقرب عندي ان عليهما الضمان لأنهما اتلفا مال الغير بالاكل أو غيره فضمناه كغير الوديعة وبه قال احمد والشافعي في أظهر القولين والثاني انهما لا يضمنان لان المالك سلطهما عليه فصار كما لو اقرضه أو باعه منه واقبضه فاتلفه لم يكن عليه ضمان الا ترى انه لو دفع إلى صغير سكينا فوقع عليها فتلف كان ضمانه على عاقلة الدافع وبه قال أبو حنيفة وهو ممنوع للفرق بين الايداع والبيع والاقراض لان ذلك تمليك وتسليط على التصرف والايداع تسليط على الحفظ دون الاتلاف والتصرف ويخالف دفع السكين لأنه سبب في الاتلاف ودفع الوديعة ليس سببا في اتلافها ولو أودع ماله عند عبد فان تلف عنده من غير تفريط فلا ضمان عليه وان تلف بتفريطه أو أتلفه ضمن وكان المال متعلقا بذمته لا برقبته كما لو أتلف ابتداء ولا فرق بين ان يأذن له سيده في الاستيداع أو يمنعه ويتبع ذلك بعد العتق فان مات عبد أسقط؟ المال ولم يتعلق بالسيد شئ منه وان اذن له لأنه انما اذن له في الاحتفاظ لا في الاتلاف وللشافعية قولان أحدهما ان الضمان يتعلق برقبته كما لو أتلف ابتداء والأصل عندنا ممنوع والثاني انه متعلق بذمته دون رقبته كما قلناه كما لو باع منه فيه الخلاف المذكور في الصبي وايداع السفيه والايداع عنده كايداع الصبي والايداع عنده مسألة ولابد في المتعاقدين من جواز التصرف فلا يصح من المحجور عليه للسفه والفلس الايداع والاستيداع على اشكال في استيداع المفلس والأقرب عندي جوازه ولو جن المودع أو المستودع أو مات أحدهما أو أغمي عليه ارتفعت الوديعة لأنها إن كانت مجرد اذن في الحفظ بالمودع (بعرضه) بعرض التغير وهذه الأحوال تبطل اذنه والمستودع يخرج عن أهلية الحفظ وإن كانت عقدا فقد سبق انها توكيل خاص والوكالة جايزة فلا يبقى بعد هذه العوارض ولو حجر على المودع لسفه كان على المودع رد الوديعة إلى وليه وهو الحاكم لان اذنه في الايداع بطل بذلك والناظر عليه الحاكم فوجب دفعها إليه مسألة ان قلنا إن الوديعة عقد برأسه لم يضمنه الصبي ولم يتعلق برقبة العبد وهو قول بعض الشافعية وان قلنا إنها اذن مجرد ضمنه الصبي وتعلق برقبة العبد وهو قول باقي الشافعية لكنا بينا ان الحق الأول وان الصبي لا يضمن الا بالاتلاف على الاشكال واما العبد فان الوديعة مع التفريط يتعلق بذمته إذا عرفت هذا فولد الجارية المودعة ونتاج الدابة المودعة وديعة كالأم وقال الشافعية ان جعلنا الوديعة عقدا فالولد كالأم تكون وديعة والا لم تكن وديعة بل أمانة شرعية مردودة في الحال حتى لو لم يرد مع التمكن ضمن على أظهر الوجهين عندهم وقال بعض الشافعية ان جعلنا الوديعة عقدا لم يكن الولد وديعة بل أمانة اعتبارا بعقد الرهن والإجارة والا فيتعدى حكم الام إلى الولد كما في الوصية أو لا يتعدى كما في العارية وللشافعية وجهان وعلى الأصل المذكور خرج بعض الشافعية اعتبار القبول لفظا ان جعلناها عقدا اعتبرناها والا اكتفينا بالفعل والموافق لاطلاق العامة كون الوديعة عقدا وذكروها من العقود الجايزة الفصل الثالث في موجبات الضمان اعلم أن الوديعة تستتبع أمرين الضمان عند التلف والرد عند البقاء لكن الضمان لا يجب على الاطلاق بل انما يجب عند وجود أحد أسبابه وينظمها شئ واحد هو التقصير ولو انتفى التقصير فلا ضمان لان الأصل في الوديعة انها أمانة محضة لا يضمن بدون التعدي أو التفريط لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ليس على المستودع ضمان وقال عليه السلام من أودع وديعة فلا ضمان عليه ومن طريق الخاصة ما رواه إسحاق بن عمار (حماد) انه سأل الكاظم (ع) عن رجل استودع
(١٩٧)