النبي صلى الله عليه وآله ذو مقدرة الا وقف ولم ير شريح؟ الوقف وقال لا حبس عن فرايض الله قال احمد وهذا مذهب أهل الكوفة وهو خلاف الاجماع من الصحابة إذا عرفت هذا فالوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة مسألة الوقف يلزم بالعقد والقبض عند علمائنا أجمع وبه قال احمد في إحدى الروايتين ومحمد بن الحسن لأنه تبرع بمال فلا يلزم بمجرده كالهبة والوصية ولان الأصل بقاء الملك على مالكه خرج عنه المقبوض فيبقى الباقي على أصله وقال أبو حنيفة الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه وإذا مات رجع فيه ورثته الا ان يرضوا به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم وحكى بعض العامة عن علي (ع) وابن مسعود وابن عباس مثل قول أبي حنيفة لان عبد الله بن زيد صاحب الاذان جعل حايطا له صدقة وجعله إلى رسول الله فجاء أبواه إلى رسول الله فقالا يا رسول الله لم يكن لنا عيش الا هذا الحايط فرده رسول الله ثم ماتا فورثهما ولأنه اخرج ماله على وجه القربة من ملكه فلا يلزم بمجرد القول كالصدقة وهذا القول مخالف للسنة الثابتة عن رسول الله واجماع الصحابة فان النبي (ص) قال الواقف في وقفه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يوقف والصدقة والهبة نحن نقول بموجبهما فإنهما لا يلزمان الا بالقبض عندنا كالوقف وقال الشافعي وأبو يوسف وعامة الفقهاء ان الوقف يلزم بمجرد العقد من غير اقباض ولم يجعلوا القبض شرطا في صحة العقد ولا في لزومه لأنه تبرع يمنع البيع والهبة والتبرعات يلزم بمجرده كالعتق والفرق ان العتق ليس عقدا ولا يفتقر إلى قبول ولا قبض سلمنا لكن العتق قد ملك العبد نفسه المقبوضة له حقيقة فافترقا المطلب الأول الصيغة مسألة لا يصح الوقف الا باللفظ لأنه تمليك منفعة أو عين ومنفعة فأشبه ساير التمليكات وأيضا فالعتق لا يحصل الا باللفظ مع سرعة نفوذه فالوقف أولي ولان الأصل بقاء الملك على مالكه ما لم يثبت المزيل فعلى هذا لو بني بناء على هيئة المساجد أو على غير هيئتها واذن في الصلاة فيه لم يصر مسجدا وكذا لو اذن بالدفن في ملكه لم يصر مقبرة سواء صلى في ذلك أو دفن في هذا أو لا وبه قال الشافعي لعدم الشرط وهو العقد وقال أبو حنيفة إذا صلى فيه واحد صار مسجدا وإذا دفن ميت واحد صار مقبرة وتم الوقف وان لم يوجد فيه شئ من الفاظ الوقف وليس بجيد لما تقدم ولو تلفظ بالوقف ولم يحصل الاقباض ولو بصلاة واحدة أو دفن واحد أو قبض حاكم الشرع لم يصر وقفا عندنا على ما سلف إذا عرفت هذا فهل يصير مسجدا بقوله قد جعلته مسجدا ظاهر الكلام بعض الشافعية انه يصير وقفا بذلك وان لم يأت بشئ من الفاظ الوقف الصريحة والكناية والمشهور بينهم انه لا يصير وقفا بذلك وهو المعتمد لأنه وصفه بما هو موصوف به قال (ع) جعلت لي الأرض مسجدا نعم لو قال جعلته مسجد الله فالأقوى انه يصير مسجدا لأنه يقوم مقام لفظ الوقف لاشعاره بالمقصود واشتهاره به ولو قال وقفتها على صلاة المصلين وهو يريد جعلها مسجدا فالأقرب انها تصير مسجدا مع الاقباض مسألة الفاظ الوقف ستة ثلاثة منها تدل عليه صريحا وثلاثة تدل عليه كناية فالصريحة وقفت وحبست وسبلت إما وقفت فلا خلاف بين العلماء في دلالتها بالصريح على معنى الوقف لأنها اللفظة الموضوعة له مع أن في بعض أقوال الشافعي انها كناية عن الوقف لا تدل عليه الا مع النية وهذا من اغرب الأشياء واما حبست فالمشهور انها صريح أيضا لأنه حبس الملك في الرقبة على التصرفات المزيلة وهو معنى الوقف ولان النبي صلى الله عليه وآله قال لعمر ان شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها وهو أحد أقوال الشافعي وفي اخر انها كناية لأنها لم تشتهر اشتهار الوقف واما سبلت فصريح أيضا عند جماعة من العلماء وهو أحد أقوال الشافعي لقوله (ع) حبس الأصل وسبل الثمرة وفي وبعض أقواله انها كناية لأنها لم تشتهر اشتهار الوقف فقد حصل للشافعي هنا أربعة أقوال آ كل واحد من الثلاثة وهي وقفت وحبست وسبلت صريح في الوقف لا يفتقر إلى قرينة في دلالتها عليه وهو أشهرها ب الجميع كنايات ج الصريح وحده الوقف خاصة واما لفظ الحبس والتسبيل فكنايات د الكناية التسبيل وحده واما لفظتا الوقف والحبس فصريحتان واما الفاظ الكناية فثلاثة تصدقت وحرمت وأبدت إما تصدقت فليس صريحا فان هذا اللفظ على تجرده انما يستعمل في التمليك المحض ويستعمل كثيرا في الزكوات والهبات وانما يصير لفظا دالا على الوقف لو قرن به ما يخصصه به ويجعله دليلا عليه وذلك المقترن الزايد عليه إما لفظ أو نية إما اللفظ فان يقترن به بعض الألفاظ السابقة مثل أن يقول صدقة محبسة أو موقوفة أو محرمة أو اقترن به ذكر حكم الوقف مثل أن يقول صدقته لا تباع ولا توهب التحق؟ بالصريح لانصرافه بما ذكر عن التمليك المحض وهو أظهر وجوه الشافعية والثاني انه لا يكفي قوله صدقة محرمة أو مؤبدة بل لا بد من التقييد انها لا تباع ولا توهب والثالث انه لا شئ من الألفاظ يلحقه بالصريح لأنه صريح في التمليك الذي يخالف مقصود الوقف فلا ينصرف إلى غيره بقرينة الاستقلال لها واما النية فينظر ان أضاف اللفظ إلى جهة عامة بان قال تصدقت بهذا على المساكين ونوى الوقف فالأقرب انها يلحق اللفظ بالصريح ويكون وقفا وهو أصح وجهي الشافعية والثاني انها لا تلحق اللفظ بالصريح لأنها لا تلحق باللفظ في الصرف عن الصريح إلى غيره وان أضاف إلى معين فقال تصدقت عليك أو قال لجماعة معينين لم يكن وقفا على الأقوى نعم لو نوى الوقف صار وقفا فيما بينه وبين الله ولا يصير وقفا في الحكم قاله الشيخ ره فإذا أقر بأنه نوى الوقف صار وقفا في الحكم وهو أصح وجهي الشافعية بل ينفذ فيما هو صريح فيه وهو محض التمليك ويحتمل قويا ان يكون تجريد لفظ الصدقة عن القراين اللفظية ان أمكن فرضه في الجهات العامة مثل أن يقول تصدقت على فقراء المسلمين فلا يمكن فرضه في التصدق على شخص أو جماعة معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد التعيين وحينئذ المأتي به لا يحتمل الا الوقف كما أن قوله تصدقت به صدقة محرمة أو موقوفة لا يحتمل الا الوقف واما حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها أو داري محرمة أو مؤبدة فالأقرب انها كناية ان انضم إليها قرينة تدل على الوقف صارت كالصريح والا فلا وقال الشافعية ان جعلنا لفظ وقفت وحبست وسبلت كناية فكذا هنا وان جعلناها صريحة فوجهان أحدهما ان التحريم والتأبيد أيضا صريحان لافادتهما الغرض واستعمالهما كالتحبيس والتسبيل وأظهرهما المنع لأنهما لا يستعملان مستقلين وانما يؤكد بهما شئ من الألفاظ المتقدمة مسألة لو قال جعلت أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو قال هذه أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة فهو صريح في الوقف إما الفعل المقترن بالقرائن فقد بينا انه لا يكفي في الوقف مثل ان يبنى مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه خلافا لأبي حنيفة ولأحمد وكذا إذا اتخذ مقبرة واذن في الدفن فيها أو سقاية ويأذن في دخولها لأنه تحبيس أصل على وجه القربة فلا يصح بدون اللفظ كما لو وقف على الفقراء وقولهم العرف جاز بذلك ممنوع وقياسهم على تقديم الطعام للضيف ووضع ماء في حب على قارعة الطريق ونثار شئ على الناس ودخول الحمام واستعمال مائه من غير اذن مباح بدلالة الحال ضعيف للفرق فان العرف قاض في ذلك بالإباحة إما الوقف فقد يفتقر إلى الايجاب والقبول وله شرايط لا يكفي فيها القراين ما لم يكن هناك لفظ يدل عليه قال الشيخ ره عقيب نقل كلام العامة والذي يقوي في نفسي ان صريح الوقف قول واحد وهو وقفت لا غير وبه يحكم بالوقف فاما غيره من الألفاظ فلا يحكم به الا بدليل مسألة هل يفتقر الوقف إلى القبول الأقرب أن يقول إن كان الوقف على جهة عامة كالفقراء أو على المسجد والرباط فلا يشترط القبول لعدم الامكان وهو قول الشافعية ولم يجعلوا الحاكم نايبا في القبول كما لو جعل نايب عن المسلمين في استيفاء القصاص والأموال ولو صاروا إليه كان وجها ثم ما ذكرناه مفروض في الوقف إما إذا قال جعلت هذا للمسجد فهو تمليك لا وقف فيشترط قبول
(٤٢٧)