للمالك فصالح المديون مالكه على شئ لم يكن ابراء للمديون الا ان يعلمه بقدره أو يرضى باطنا بالصلح عن اي مقدار كان أوقع عليه عقد الصلح لما رواه علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (ع) قلت له رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي وديعة أربعة آلاف درهم فمات أيجوز لي ان أصالح ورثته ولا اعلمهم كم كان قال لا يجوز حتى تخبرهم ولان ذلك اكل مال الغير بالباطل فيدخل تحت النهي ومع الرضي بأي مقدار كان يكون سايغا القسم الثاني من الصلح وهو الواقع بين المدعي والأجنبي مسألة الصلح الواقع بين المدعي والأجنبي إما ان يقع مع اقرار المدعي عليه ظاهرا أو مع انكاره إما الأول فاما ان يكون المدعي به عينا أو دينا فإن كان عينا بان ادعى دارا أو عبدا أو ثوبا أو غير ذلك من الأعيان في يد غيره فصدقه المتشبث فجاء الأجنبي وقال إن المدعى عليه قد وكلني في مصالحتك له على نصف المدعى أو على هذه العين الأخرى من مال المدعي عليه فصالحه على ذلك جاز لعموم قوله تعالى والصلح خير وقوله عليه السلام الصلح جايز بين المسلمين وكذا لو قال الأجنبي انه وكلني على مصالحتك عنه على عشرة دنانير في ذمته ثم إن كان صادقا في الوكالة انتقل المدعى به إلى المدعى عليه والا كان حكمه حكم شراء الفضولي وان قال امرني بالمصالحة له على هذا العبد من ملكي فصالحه عليه فهو بمنزلة ما لو اشتري لغيره بمال نفسه بإذن ذلك الغير وقد سبق الخلاف فيه فان قلنا بالصحة فالذي يدفعه قرض أو هبة إما لو صالح الأجنبي لنفسه بمال له إما عن دين في ذمته أو عين لنفسه صح كما لو أبرأه وهو الاظهر عند الشافعية وعند بعضهم وجهان كما لو قال ابتداء لغيره من غير سبق دعوى وجواب صالحني من دارك هذه على الف لأنه لم يجر مع الأجنبي خصومة فيه وهذه الصورة أولي بالصحة حيث ترتب اللفظ على دعوى وجواب فيكتفي به في استعمال لفظ الصلح وإن كان المدعي به دينا وقال وكلني المدعي عليه بمصالحتك على نصفه أو على هذا الثوب وهو ملكه أو ملكي صح عندنا وسقط الدين كما لو ضمن دينا وادى عنه عوضا وهو أحد وجهي الشافعية والثاني لا يصح لأنه يبيع شيئا بدين الغير ولو صالح لنفسه على عين أو دين في ذمته فهو بمنزلة ابتياع دين في ذمة الغير وقد سبق واما الثاني وهو ان يقع الصلح مع انكار المدعى عليه ظاهرا فإذا جاء الأجنبي وقال أقر المدعى عليه عندي ووكلني في مصالحتك له الا انه لا يظهر اقراره خيفة ان تنتزعه منه فصالحه صح لان قول الانسان في دعوى الوكالة مقبول في البيع والشراء وسائر المعاملات وان قال الأجنبي هو منكر لكنه مبطل في الانكار فصالحني له على عبدي هذا لينقطع الخصومة بينكما صح عندنا لان الأصل الصحة والصلح على الانكار عندنا جايز وللشافعية وجهان أظهرهما على ما قاله الجويني البطلان لأنه صلح واقع لمنكر والصلح على الانكار عندهم باطل والثاني الصحة لأن العقد منوط بالمتعاقدين وهما متوافقان والاعتبار في شرايط العقد بمن يباشره هذا إذا كان المدعى عينا فإن كان دينا صح عندنا أيضا وللشافعية طريقان أحدهما انه على الوجهين وأصحهما عندهم القطع بالصحة والفرق انه لا يمكن تمليك الغير عين مال بغير اذنه (ويمكن) ويملك قضاء الدين عن الغير بغير اذنه وان قال الأجنبي انه منكر وانا لا اعلم أيضا صدقك وصالحه مع ذلك صح عندنا خلافا للشافعية فإنهم قالوا لا يصح الصلح سواء كان المصالح عليه له أو للمدعى عليه كما لو جرى الصلح مع المدعى عليه وان قال هو منكر ولكنه مبطل في انكاره فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بعشرة في ذمتي لاخذ منه فإن كان المدعى دينا صح عندنا وكذا إن كان عينا وقالت الشافعية إن كان المدعى دينا فهو ابتياع دين في ذمة الغير وإن كان عينا فهو شراء غير الغاصب المغصوب فينظر في قدرته على الانتزاع وعجزه وقد سبق حكمها في أول البيع فلو صالح وقال انا قادر على الانتزاع فلهم وجهان أظهرهما انه يصح العقد اكتفاء بقوله والثاني لا يصح لان الملك في الظاهر للمدعى عليه وهو عاجز عن انتزاعه وقيل بالتفصيل فيقال إن كان الأجنبي كاذبا فالعقد باطل باطنا وفي مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان وإن كان صادقا حكم بصحة العقد باطنا وقطع بمؤاخذته لكن لا تزال يد المدعى عليه الا بحجة الفصل الثاني في الاحكام مسألة يصح الصلح على الاقرار والانكار معا سواء كان المدعى به دينا أو عينا عند علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد لعموم قوله تعالى والصلح خير وعموم ما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال الصلح جايز بين المسلمين ومن طريق الخاصة ما رواه حفص بن البختري في الصحيح عن الصادق (ع) أنه قال الصلح جايز بين الناس ولأنه سبب لاسقاط الخصومة فجاز مع الانكار كالابراء والصلح مع الأجنبي ولان الصلح وضع لقطع التنازع وهو انما يتحقق مع المخالفة بين المتداعيين بان ينكر أحدهما ما أدعاه الأخر فلو لم يسمع صلح الانكار انتفت أعظم فوايد الصلح وقال الشافعي لا يصح الصلح على الانكار وانما يصح الصلح على الاقرار خاصة وصورة الانكار ان يدعي رجل على رجل اخر دينا أو عينا فينكر المدعى عليه فيصالحه على ثوب أو دين أو بعض المدعى أو غير ذلك لأنه عاوض على ما لم يثبت له لا فلم تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره وبالقياس على ما إذا أنكر الخلع أو الكتابة ثم تصالحا على شئ ونمنع بطلان المعاوضة على ما لم نثبت بالصلح فإنه المتنازع بخلاف ما لو باع مال غيره لان ذلك تصرف في مال الغير بغير اذنه حتى أنه لو أجاز الغير صح البيع والرضي بالصلح رضي بالتصرف والقياس عندنا باطل فلا يكون حجة علينا على انا نمنع الحكم في الأصل مسألة إذا ادعى عليه حقا دينا أو عينا فقال المدعى عليه صالحني على كذا إما بعضه أو غيره لم يكن ذلك اقرارا منه وهو ظاهر عندنا لأنا قد بينا ان الصلح يصح مع الانكار كما يصح مع الاقرار واما الشافعي فإنه قال إذا قال المدعى عليه صالحني مطلقا أو صالحني عن دعواك الكاذبة أو صالحني عن دعواك فإنه لا يكون اقرارا لأنه ربما يريد قطع الخصومة بل الصلح عن الدعوى لا يصح مع الاقرار أيضا لان مجرد الدعوى لا يعتاض عنه ولو قال بعد الانكار صالحني عن الدار التي ادعيتها فوجهان للشافعية أحدهما انه اقرار لأنه طلب منه التمليك وذلك يتضمن الاعتراف بالملك فصار كما لو قال ملكني وأصحهما عندهم انه ليس باقرار لان الصلح في الوضع هو الرجوع إلى الموافقة وقطع الخصومة فيجوز ان يكون المراد قطع الخصومة في المدعى لا غير فعلى هذا يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلحا على الانكار وان قال بعينها أوهبها مني فالمشهور انه اقرار لأنه صريح في التماس التمليك وقال بعض الشافعية انه كقوله صالحني والوجه الفرق وفي معناه إذا كان التنازع في جارية وقال زوجنيها ولو قال اجرني أو أعرني فأولى ان لا يكون اقرارا ولو كان التنازع في دين وقال أبرئني فهو اقرار ولو أبرأ المدعي المدعى عليه والمدعي هو منكر وقلنا لا يفتقر الابراء إلى القبول صح الابراء بخلاف الصلح لأنه مستقل في نفسه فلا حاجة فيه إلى تصديق الغير ولهذا لو أبرأه بعد التحليف صح ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح عندهم مسألة لو ادعى العين في يد الغير فأنكر الغير دعواه فصالحه على بعض تلك العين المدعاة وهو صلح الحطيطة في العين صح عندنا لما بينا من صحة الصلح على الانكار وللشافعية وجهان أحدهما انه صحيح وبه قال القفال لاتفاق المتصالحين على أن النصف مستحق للمدعي إما المدعي فإنه يزعم استحقاق الجميع واما المدعى عليه فإنه يسلم النصف له بحكم تشبثه منه وتسليمه إليه فاذن الخلاف بينهما في جهة الاستحقاق والثاني وبه قال أكثر الشافعية انه باطل كما كان على غير المدعى قالوا ومهما اختلف القابض والدافع في الجهة فالقول قول الدافع كما لو دفع المديون دراهم إلى صاحب
(١٧٩)