النصف الموقوف لم يصح لزوال ملكه عنه بالوقف على المشهور ولا على الأخر لان بالوقف قد قطع تصرفه وعلق به حق غيره ولو أعتقه الموقوف عليه لم ينفذ لأنه غير مالك على قول وعلى الأخر لا ينفذ أيضا لتعلق الحق من بعده من أهل الوقف وكذا لو كان النصف الآخر لغيره فاعتقه مالكه لم يقوم عليه حسة الوقف لان النصف لا يصح عتقه مباشرة فلئن لا يصح بالسراية أو لا واما لو كان النصف الآخر موهونا فإنه يسري العتق لان الرهن قابل للاعتاق بخلاف الوقف مسألة يصح وقف كل عين ينتفع بها إما في الحال أو فيما بعده فلو وقف عبدا رضيعا أو دابة صغيرة في الغاية ولو حين ولادتها صح وكذا الشجر الصغير والأرض البيضاء والشاة الصغيرة لتوقع لبنها وصوفها فيما بعد وكذا يجوز وقف الزمن الذي يرجى زوال زمنه كما يجوز نكاح الرضيعة ولا يجوز وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالمطعومات والمشمومات فإنها سريعة الفناء وكذا لا يصح وقف السمع؟ لأنه يتلف بالانتفاع به فكان كالمأكول والمشروب وكذا المال وبالجملة كل ما يتوقف الانتفاع به على اتلاف عينه لا يصح وقفه ولا يجوز وقف العبد الذي استحقت منفعته على التأبيد ولا الأرض كذلك لعدم الانتفاع بها في الحال ولا فيما بعد الحال وكما لا يجوز وقف العين الخالية من المنفعة كذا لا يصح وقف المنفعة من دون العين ولا يجوز وقف المنافع فمن ملك منافع الأعيان دون رقابها كالمستأجر والموقوف عليه فوقف تلك المنافع لم يصح سواء ملك المنفعة موقتا كالمستأجر أو مؤبدا كالموصي له بالخدمة والمنفعة ولان ملك الوقف يشبه التحرير وملك المنفعة لا يفيد ولاية التحرير ولان من شرط الوقف الدوام والمنافع لا دوام لها فإنها تحدث شيئا فشيئا وتفنى كذلك فهي كالشئ الذي يسرع إليه الفساد مسألة يصح وقف الذهب والفضة إذا كان حليا لفايدة اللبس والإجارة له والإعارة ولأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دايما فصح وقفها كالعقار وبهذا قال الشافعي وهو أحدي الروايتين عن أحمد وفي الثانية لا يصح لان التحلي ليس هو المقصود من الأثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم ونمنع كون التحلي ليس من المقاصد المهمة فان العادة جارية به وقد اعتبره الشرع في اسقاط الزكاة عن متخذه وجواز اجارته للتحلي بخلاف الدراهم والدنانير فان العادة لم تجز بالتحلي بها ولا يعتبرها الشرع في اسقاط زكاة إما الدراهم والدنانير فان أصحابنا ترددوا في جواز وقفها وللشافعية وجهان والأصل فيه ان يقال إن فرض لها منفعة مقصودة في نظر الشرع وعند العرف صح وقفها كما تصح اجارتها فيجوز وقفها حينئذ لاجارتها واستيفاء تلك المنفعة المعتبرة عند العقلاء ان لم يكن لها منفعة معتبرة في نظر العقلاء لم يصح وقفها ولا اجارتها والحق بعض الشافعية وقفا الدراهم ليصاغ منه الحلي بوقف العبد الصغير وليس بجيد لان الصغير يصير إلى حالة الانتفاع بنفسه وهذا يحتاج إلى احداث أمر بالاختيار مسألة هل يصح وقف أم الولد يحتمل ذلك لعدم خروجها عن الملكية فصح وقفها كغيرها ومنع بيعها ولا يقتضي منع وقفها لان الوقف يشبه العتق لاشتراكهما في إزالة الملك عن المالك إلى وجه من وجوه القرب وهو أحد وجهي الشافعية لأنه تجوز اجارتها فجاز وقفها ويحتمل المنع وهو أصح وجهي الشافعية لان حلها حرمة العتق فكأنها عتيقة وبه قال احمد وبني بعض الشافعية الخلاف على أن الوقف هل ينقل الملك عن الواقف ان قلنا نعم لم يصح وقفها لأنها لا يقبل النقل وان قلنا لا ينقل صح وقفها فان قلنا بصحة وقفها فإذا مات السيد هل تعتق ان قلنا بالانتقال إلى الموقوف عليه لم تعتق والا عتقت وهو قول أكثر الشافعية بناء على القول بصحة وقفها ثم قالوا لا يبطل الوقف بل تبقى منافعها للموقوف عليه كما لو اجرها ومات وقال بعضهم يبطل الوقف دون الإجارة لان الحرية؟ تنافى الوقف دون الإجارة وهذان الوجهان جاريان عند الشافعية في جواز وقف المكاتب والأقرب عندي المنع من وقف المكاتب لانقطاع تصرف المولى عنه وجوز الشافعية وقف المعلق عتقه بصفة ثم إذا وجدت تلك الصفة فان قلنا إن الملك في الوقف للواقف أو لله تعالى عتق وبطل الوقف وان قلنا إنه للموقوف عليه فلا يعتق ويكون الوقف بحاله وهذا عندنا لا يصح لعدم صحة تعليق العتق بالصفة نعم لو نذر عتقه عند صفة فالأولى المنع من وقفه لتعلق حق الله تعالى به إما المدبر فإنه يجوز وقفه اجماعا لأنه مملوك ما دام حيا ويكون ذلك رجوعا في التدبير عندنا واما الشافعية فقالوا أنه يكون رجوعا إن كان التدبير وصية وإن كان تعليق عتق بصفة فهو بمنزلة وقف العبد المعلق عتقه بصفة لكن التدبير عندنا وصية محضة مسألة قد بينا انه يشترط في الوقف التعيين فلو وقف عبدا في الذمة أو ثوبا في الذمة لم يصح كما لو أعتق عبدا في الذمة وكذا لا يصح ان يقف أحد عبديه لعدم التعيين كما لو باع أحد العبدين وهو أظهر وجهي الشافعية والثاني انه يجوز وقف أحد العبدين كما يصح عتق أحد عبديه يجوز وقف علو الدار دون سفلها وبالعكس وان يجعل أحدهما مسجدا دون الأخر وبه قال الشافعي واحمد لأنه يصح بيعه فصح وقفه كالدار بأسرها وقال أبو حنيفة لا يصح لان المسجد يتبعه هواه وهو ممنوع وان جعل وسط داره مسجدا ولم يذكر الاستطراق صح وقال أبو حنيفة لا يصح حتى يذكر الاستطراق وليس بجيد لأنه عقد يبيح الانتفاع ومن ضرورته الاستطراق فصح وان لم يذكر الاستطراق كالبيع ويجوز أيضا وقف الفحل للنزوان بخلاف اجارته فإنه مكروه لان الوقف قربة يحتمل فيها ما لا يحتمل في المعاوضات مسألة لا يصح وقف ما لا يمكن اقباضه لان الاقباض شرط في صحة الوقف عندنا على ما تقدم فلو وقف على الغير ما هو مقبوض في يده إما بايداع أو بعارية أو بغصب أو بغير ذلك صح لان حقيقة القبض موجودة فيه ولا يفتقر إلى مضي زمان فصح القبض فيه ولو وقف على غير المتشبث فإذا قبضه صح والا بطل كما لو وقف ماله في يد الغاصب ولو اجر ارضه ثم وقفها فعند الشافعية يصح لان القبض ليس شرط عندهم وهو مملوك بالشرايط المذكورة وليس فيه الا العجز عن صرف المنفعة إلى جهة الوقف في الحال ولأنه لا يمنع الصحة كما لو وقف ملكه في يد الغاصب واما عندنا فان اقبضه بإذن المستأجر فلا بأس والا لم يصح القبض ولا يثمر لزوم الوقف وقال بعض الشافعية انه مخرج على الوقف المنقطع الأول وزاد بعضهم فقال إن وقف على المسجد صح لمشابهته الاعتاق وان وقف على انسان فان قلنا إن الملك ينتقل إلى الموقوف عليه فهو على الخلاف في بيع المستأجر ان لم نصححه فكذلك الوقف وان صححناه فيخرج حينئذ على الخلاف في الوقف المنقطع الأول وان قلنا ينتقل إلى الله تعالى فوجهان لافتقاره إلى القبول ووقف الورثة الموصي بمنفعته شهرا كوقف المستأجر مسألة لو استأجر أرضا ليبنى فيها أو يغرس فبنى وغرس ثم وقف البناء أو الغراس احتمل الصحة لاستجماعه جميع شرايط الصحة فإنه مملوك يملك الانتفاع به مع بقاء عينه انتفاعا مباحا والعدم لان مالك الأرض متمكن من هدم البناء ورفع الشجر فكأنه وقف ما لا ينتفع به وللشافعية وجهان كهذين الاحتمالين وهما كالوجهين في أن الباني لو انفرد ببيع البناء هل يجوز بيعه أم لا إما لو وقف صاحب الأرض ارضه وصاحب البناء أو الغراس بناءه أو غرسه فإنه يصح اجماعا منهم كما لو اجتمعا على البيع وإذا قلنا بصحة الوقف فإذا مضت المدة وقلع مالك الأرض البناء فان بقى منتفعا به بعد النقل فهو وقف كما كان وان لم يبق صار ملكا للموقوف عليه وهو أحد وجهي الشافعية والثاني لهم انه يرجع إلى الواقف واما أرش النقص الذي يؤخذ من القاطع يسلك به سلك الوقف البحث الثاني في الشرايط وهي أربعة تنظمها مطالب أربعة المطلب الأول التأبيد مسألة لا خلاف بين علماء الأمصار في أن الوقف المعلوم الابتداء المؤبد الذي لا انقضاء له صحيح لازم إذا جمع الشرايط والمراد بالمؤبد الذي جعل المصرف فيه لا انقراض له إما ابتداء أو انتهاء كالوقف على الفقراء والمساكين ابتداء أو على من ينقرض ثم يرده إلى من لا ينقرض كما لو وقف على ولده ثم على الفقراء
(٤٣٢)