أبرأه من الحق أو قضاه ولم يدع الوكيل بذلك لم تسمع منه هذه الدعوى لان سماع هذه الدعوى يؤدي إلى ابطال الوكالة في استيفاء حق الغايب لأنه متى ادعى ذلك من عليه الحق وسمعت منه وقفت المطالبة بالحق إلى حضور الموكل ويمينه فيقف بذلك الحقوق فيقال له ادفع الحق الذي عليك وتقف دعواك إلى حضور الموكل ويمينه وان ادعى علم الوكيل بذلك سمعت دعواه وسأله عن ذلك فان صدقه بطلت وكالته وسقطت مطالبته وان أنكر ذلك وبه قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يحلف لأن هذه اليمين متوجهة على الموكل فلا ينوب فيها الوكيل وليس بصحيح لأنه ليس بنايب عن الموكل لان اقراره بذلك لا يثبت به حق على الموكل عندنا فلا تسقط بيمينه الدعوى ويدل على قولنا انه لو أقر الوكيل بذلك سقطت مطالبته فإذا أنكر توجهت عليه اليمين كصاحب الحق المقصد السابع في الاقرار وفيه فصول الفصل الأول في ماهيته ومشروعيته نريد ان نبحث في هذا الفصل عن جميع ما يتعلق بالاقرار ولا شك في أنه متعلق بمقر ومقر له ومقر به وصيغة يترتب عليها المؤاخذة وهذه الأربعة هي أركان الاقرار ثم المقر به قد يكون مالا وقد يكون غيره وعلى التقديرين فالمستعمل فيه قد يكون مفصلا وقد يكون مجملا وعلى كل تقدير فقد يعقب الاقرار بما يرفعه وقد لا يعقب وإذا لم يكن المقر به مالا فقد يكون عقوبة من قصاص أو حد وقد يكون نسبا وغيره ثم قد يحصل بحيث يكون من لواحق ذلك فالفصول خمسة الاقرار الاثبات من قولك قر الشئ يقر وأقررته وقررته إذا أفدته القرار ولم يسم ما يشرع فيه اقرارا من حيث إنه افتتاح اثبات ولكن لأنه اخبار عن ثبوت ووجوب سابق وهو اخبار عن حق سابق وهو معتبر بالكتاب والسنة والاجماع إما الكتاب فقوله تعالى وإذ اخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله أأقررتم واخذتم على ذلكم إصري قالوا اقررنا الآية وقوله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم وقوله تعالى الست بربكم قالوا بلى وقوله تعالى كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم قال المفسرون شهادة المرء على نفسه اقراره والآيات في ذلك كثيرة في القران العزيز وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه أقر ماعز عنده بالزنا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك العامرية وقال اغد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها والاعتراف هو الاقرار وقال قولوا الحق ولو على أنفسكم وأما الاجماع فقد أجمعت الأمة كافة على صحة الاقرار ولان الاقرار اخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة لان العاقل لا يكذب على نفسه فيما يضرب بها ولهذا كان آكد من الشهادة لان المدعى عليه إذا اعترف لم تسمع عليه الشهادة وانما الشهادة يحتاج إليها إذا أنكر ولو كذب المدعي بينة لم تسمع وان كذب المقر ثم صدقه سمع الفصل الثاني في أركانه وهي أربعة لان الاقرار انما يتم بالصيغة والمقر والمقر له والمقر به فهنا مباحث البحث الأول في الصيغة مسألة الصيغة هي اللفظ الدال على الاخبار بحق واجب كقوله له علي أو عندي أو في ذمتي ويشترط فيها التنجيز والجزم بالحكم فإذا قال علي لفلان كذا فهو صيغة اقرار وكذا لفلان علي أو في ذمتي اقرار بالدين ظاهرا وقوله عندي أو معي اقرار بالعين ولو قال له قبلي الف فهو دين ويحتمل ان يصلح للدين والعين معا ولو علق اقراره على الشرط لم يصح وكان لاغيا مسألة إذا قال لغيره لي عليك الف فقال في الجواب زن أو خذ لم يكن اقرارا لأنه لم يوجد صيغة التزام وقد يذكر مثل ذلك من يستهزئ ويبالغ في الجحود وكذا لو قال استوف أو اتزن فكذلك وقال بعض الشافعية ان قوله اتزن اقرار لأنه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الانسان لنفسه بخلاف قوله زن وبه قال أبو حنيفة ولو قال زنه أو خذه فليس باقرار أيضا للاحتمال المذكور وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعض العامة يكون اقرارا لان الكناية تعود إلى ما تقدم في الدعوى ولو قال شده في هميانك أو اجعله في كيسك أو اختم عليه فهو كقوله زنه أو خذه مسألة يصح الاقرار بالعربية والعجمية معا من العربي والعجمي معا بالاجماع لان كل واحدة منهما لغة كالأخرى يعتبر بها عما في الضمير وتدل على المعاني الذهنية بسبب العلاقة الراسخة بينهما بحسب المواضعة فإذا كان اللفظ موضوعا لشئ دل عليه فان أقر عربي بالعجمية أو عجمي بالعربية فان عرف انه عالم بما أقر به لزمه وان قال ما علمت معناه فان صدقه المقر له على ذلك سقط الاقرار وان كذبه به فالقول قول المقر مع يمينه لأن الظاهر من حال العجمي ان لا يعرف العربية وكذا العربي لا يعرف العجمية ظاهرا مسألة لو قال المدعي لي عليك الف فقال في الجواب نعم أو بلي أو أجل أو صدقت كان اقرارا لأن هذه الألفاظ موضوعة للتصديق في عرف اللغة قال الله تعالى هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم ولو قال لعمري قيل يكون اقرارا لأنه يستعمل فيه والأقرب انه ليس كذلك لاختلاف العرف فيه ولو قال انا مقر به أو بما تدعيه أو بما ادعيت أو بدعواك أو لست منكرا له فهو اقرار ولو قال انا مقر ولم يقل به أو قال لست منكرا أو انا أقر لم يكن اقرارا لجواز ان يريد الاقرار ببطلان دعواه أو بان الله تعالى واحد وهذا يدل على أن الحكم بان قوله انا مقر به اقرار فيما إذا خاطبه وقال انا مقر لك به والا فيجوز الاقرار به لغيره ولو قال انا أقر لك به لم يكن اقرارا لجواز إرادة الوعد ولأنه ليس صريحا في الاخبار لجواز إرادة الانشاء والوعد بالاقرار في ثاني الحال وهو أحد وجهي الشافعية والثاني انه اقرار لان قرينة الخصومة وتوجه الطلب يشعر بالتنجيز والأول أصح ولو قال لا أنكر ما تدعيه كان اقرارا غير محمول على الوعد عند بعض الشافعية لان العموم إلى النفي أسرع منه إلى الاثبات ولهذا كانت النكرة في معرض المنفي تعم وفي الاثبات لا تعم وهو مشكل والأقرب انه كالاثبات ولو سلم الفرق لكنه لا ينفي الاحتمال وقاعدة الاقرار الاخذ بالقطع وألبت والحكم بالمتيقن لأصالة براءة الذمة وقال الجويني من الشافعية بتقدير حمله على الوعد فالقياس ان الوعد بالاقرار كما انا نقول التوكيل بالاقرار اقرار وهو غلط والحكم في الأصل ممنوع ولو قال في الجواب لا أنكر ان يكون محقا لم يكن مقرا بما يدعيه لجواز ان يريد في شئ اخر ولو قال فيما يدعيه فهو اقرار ولو قال لا أقر به ولا أنكره فهو كما لو سكت فيجعل منكرا أو يطالب بالجواب وقيل يعرض عليه اليمين ولو قال أبرأتني عنه أو قبضته قهو اقرار وعليه بينة القضاء أو الابراء وقال بعض الشافعية ان قوله أبرأتني عنه ليس باقرار لقوله تعالى فبراه الله مما قالوا تبريته عن عيب الادوة لا يقتضي اثباته له ولو قال أقررت بأنك أبرأتني أو استوفيت مني لم يكن اقرارا ولو قال في الجواب لعل أو عسى أو أظن أو احسب أو أقدر أو أتوهم لم يكن مقرا مسألة اللفظ قد يكون صريحا في التصديق وتنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب ومن جملتها الأداء والابراء وتحريك اللسان الدال على شدة التعجب والانكار فعلى هذا يحمل قوله صدقت وما في معناه على هذه الحالة فلا يكون اقرارا فان وجدت القرائن الدالة على الاقرار حكم به وان وجدت القرائن الدالة على غيره حكم بعدم الاقرار ولو قال عليك الف فقال في الجواب لك علي الف على سبيل الاستهزاء لم يكن اقرارا وحكى أبو سعيد التولي من الشافعية ان فيه وجهين مسألة لو قال لي عليك الف فقال بلى كان مقرا ولزمه الألف لأنه تصديق للايجاب المناقض للنفي لقوله تعالى الست بربكم قالوا بلى ولو قال نعم فاحتمالان أحدهما انه لا يكون مقرا والفرق ان نعم في جواب الاستفهام وبلى تكذيب له من حيث إن أصل بلى زيدت عليه الياء وهي لرد الرد والاستدراك وإذا كان كذلك فقوله بل رد لقوله ليس لي عليك الف فإنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ونفي النفي اثبات فكأنه قال لك علي الف وقوله نعم تصديق له فكأنه قال ليس لي (ولك علي ظ) عليك هذا تلخيص ما نقل عن الكسائي وجماعة من فضلاء اللغة وعلى وفقه ورد القرآن العزيز قال الله تعالى الست بربكم قالوا بلى قيل لو قالوا نعم لكفروا وقال تعالى أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجويهم بلى وقال تعالى أيحسب الانسان ان لن نجمع عظامه بلى وقال تعالى في نعم فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم
(١٤٤)