يبرء الغاصب عن الضمان وجهان أحدهما لا يبرأ بل يرجع المالك عليه بالغرم لأنه لم يرض بزوال ملكه وأصحهما عندهم البراءة لانصرافه إلى جهة صرفه إليها بنفسه وعادت مصلحتها إليه ولو قال أعتقه عني ففعل جاهلا ففي نفوذ العتق وجهان أقربهما عندي النفوذ ويضمن الغاصب وللشافعية وجهان أحدهما النفوذ على تقديره ففي وقوعه عن الغاصب وجهان أحدهما المنع ولو قال المالك للغاصب أعتقه عني أو مطلقا فأعتق عتق وبرئ الغاصب الفصل الثالث في المضمونات المغصوبات قسمان أحدهما ما ليس بمال والثاني ما يعد مالا وينقسم إلى الأعيان والمنافع فهنا مباحث ثلاثة الأول فيما لا يعد مالا مسألة لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحر فإنه لا يضمن بالغصب بل بالاتلاف سواء كان صغيرا أو كبيرا فلو اخذ حرا صغيرا كان أو كبيرا فحبسه فمات عنده لا بسبب الحبس لم يكن ضامنا لأنه ليس بمال وانما يضمن الحر بالجناية عليه وسيأتي انشاء الله في باب الجنايات ويضمن منافعه على ما يأتي وكذا لا يثبت الغصب فيما ليس مما تقدم في كتاب البيع كالعذرات والأبوال وكلب الهراش والخنزير وأشباه ذلك مسألة لو غصب كلب صيد أو زرع أو حايط أو ماشية وجب عليه رده إلى مالكه لان له قيمة في نظر الشرع ويجوز اقتناؤه والانتفاع به فأشبه غيره من الأموال ولو أتلفه فضمن القيمة التي قدرها الشرع وقال احمد لا يغرم شيئا وليس بجيد ولو حبسه عن مالكه مدة لزمه اجرته عندنا لأنه يصح استيجاره عندنا وهو أحد قولي الشافعي والثاني انه لا يلزمه اجرة لأنه لا يصح استيجاره عنده وبه قال احمد ولو غصب جلد ميتة لم يجب رده لأنه لا تطهر عندنا بالدباغ وهو إحدى الروايتين عند احمد وبالجملة كل من قال بطهارته بعد الذبح أوجب رده والا فلا لأنه يمكن اصلاحه عند القائل بطهارته كما يمكن تطهير الثوب النجس وعندنا نجس لا يطهر بالدباغ فلا سبيل إلى اصلاحه فلا يعد من المال ولو أتلفه أو أتلف ميتة بجلدها لم يكن عليه ضمان لأنه لا قيمة له ولو دبغه الغاصب لم يطهر بالدباغ عندنا والقايلون بطهارته أوجبوا اعادته لأنه بمنزلة الخمر إذا تخللت ويحتمل ان لا يجب رده عند من طهره أيضا لأنه صار مالا بفعله بخلاف الخمر وعلى قولنا بعدم طهارته لم يجب رده عندنا وهو ظاهر وقال بعض من وافقنا انه يجب رده أيضا لأنه ينتفع به في اليابسات لأنه نجس يباح الانتفاع به وكذا قبل الدبغ عندهم وليس بمعتمد مسألة لو أتلف خمرا أو خنزيرا فلا يخلو إما ان يكون المتلف مسلما أو كافرا وعلى التقديرين فصاحبهما إما مسلم أو كافر فالأقسام أربعة آ ان يكونا مسلمين فلا ضمان اجماعا لأنهما غير مملوكين للمسلم ولا يصح له ملكهما ولا مالية فيهما بالنسبة إليه فلا ضمان في اتلافهما ب ان يكونا ذميين فيجب ضمانهما عندنا بالقيمة عند مستحليهما وبه قال مالك وأبو حنيفة الا ان أبا حنيفة قال يضمنان بالمثل لان الخمر مال لهم يتمولونها لان عامل عمر كتب إليه ان أهل الذمة يمرون بالمعاش ومعهم الخمر فكتب إليه عمر ولهم بيعها وخذ منهم عشر أثمانها فإذا ثبت انها مال يجوز لهم بيعها وجب ان يضمن لهم كساير أموالهم ولان عقد الذمة عصم أموالهم فإذا أتلف متلف عينا قومها ضمن كنفس الآدمي وقد عصم العقد خمر الذمي لان المسلم يمنع من اتلافها فيجب ان يغرمها وقال الشافعي واحمد لا يضمن المتلف شيئا لما روي جابر ان النبي صلى الله عليه وآله قال الا ان الله تعالى ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام وما حرم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته كالميتة ولان ما لم يكن مضمونا في حق المسلم لم يكن مضمونا في الذمي كالمرتد ولأنه غير متقوم فلا يضمن كالميتة إما الصغرى فلانها غير متقومة في حق المسلم فكذا في حق الذمي فان تحريمها يثبت في حقهما وخطاب النواهي يتوجه إليهما فما ثبت في حق أحدهما ثبت في حق الأخر والكبرى ظاهرة والحديث لا دلالة فيه على المطلوب لان التحريم لا ينافي الضمان وكذا ما ذكروه هذا إذا كان الكافر مستترا به واما ان أظهره وأظهر منافعه فلا ضمان على متلفه ج ان يكون المتلف مسلما وصاحبه كافرا فعندنا يضمنان إن كان الذمي مستترا بهما غير متظاهر بهما وبه قال مالك وأبو حنيفة ويضمنان بالقيمة عندنا وعند أبي حنيفة لما تقدم من انا امرنا بتقريرهم على معتقداتهم ولا يصح هنا ان يضمن المسلم بالمثل لأنه لا يثبت مثل الخمر والخنزير في ذمته لأنه ليس مالا واما إذا تظاهر الكافر بهما فإنه يجوز اتلافه من غير ضمان لان الشرع انما ألزمنا اقرارهم عليه في دارنا مع الاخفاء فلا يعرض لهم فيما ألزمنا تركه ما أظهروه من ذلك فلا يمكنهم منه فإن كان خمرا جاز اراقته وان اظهروا صنما أو صليبا أو طنبورا جاز كسره وان اظهروا كفرهم أدبوا على ذلك ويمنعون من اظهار ما يحرم على المسلمين د ان يكون المتلف كافرا وصاحبه مسلما فلا ضمان لأنه لا قيمة لذلك عند المسلم ولا يحل له تملكه ولا تملك ثمنه فكيف يضمن له القيمة حينئذ واعلم أنه لا فرق بين ان يريق حيث يجوز الإراقة وحيث لا تجوز إذا كانت تحت يد المسلم وقد وافق الجماعة على أنه لا تراق خمور أهل الذمة إلا إذا تظاهروا بشربها أو بيعها ولو غصبت الخمر من الكافر والعين باقية وجب ردها ان لم يتظاهر أو ان غصبت من مسلم وجب ردها إن كانت محترمة والا لم يجب ردها وبه قال الشافعي لان أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أيتام ورثوا خمرا فأمره باراقتها ولو أتلفها المسلم أو الكافر وهي في يد المسلم أو تلفت عندهما لم يلزمها ضمانها لان ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه وإذا حرم الانتفاع به لا يجب ضمانه كالميتة والدم وان امسكها في يده حتى صارت خلا لزم ردها إلى صاحبها لأنها صارت خلا على حكم ملكه فلزمه ردها إليه فان تلفت ضمنها له لأنها مال للمغصوب منه في يد الغاصب وان أراقها فجمعها انسان وتخللت عنده لم يلزمه رد الخل لأنه اخذها بعد اتلافها وزوال اليد عنها مسألة يجوز كسر آلات اللهو والقمار كالبربط والطنبور والنرد والشطرنج والأربعة عشر وأشباه ذلك وكذا هياكل العبادة كالصنم والصليب ولا شئ على من كسرها لأنها محرمة الاستعمال ولا حرمة لتلك الصنعة والهيئة واختلف الشافعية في الحد المشروع لابطالها على وجهين أحدهما انها تكسر وترضض حتى ينتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منها لا الأولى ولا غيرها وأظهرهما عندهم انها لا تكسر الكسر الفاحش ولكنها تفصل وفي حد التفصيل وجهان أحدهما انها تفصل قدر ما لا تصلح للاستعمال الحرام حتى إذا رفع وجه البربط وترك على شكل قصعة كفى والثاني انها تفصل إلى حد لو فرض اتخاذ آلة محرمة من مفصلها لوصل إلى الصانع التعب الذي يصل في ابتداء اتخاذ منها هذا بان يبطل تأليف الأجزاء كلها كما كانت قبل التأليف وهذا الأخير أقرب إلى كلام الشافعي وما ذكره من الاقتصار على تفصيل الأجزاء إذا تمكن المحتسب منه إما إذا منعه من في يده وكان يدفع عن المنكسر فله ابطاله بالكسر ولا يكفي قطع الأوتاد لأنها مجاورة لها منفصلة ومن بالغ في الكسر من الشافعية توقف في شيئين أحدهما الصفايح الآتي توجد في يد من يضيع تلك الآلات لان من لم يبالغ في الكسر عند حصول الهيئة المخطورة قد لا يرى تلك المبالغة في الابتداء والثاني في الصليب لأنه خشبة معرضة على خشبة فإذا رفعت إحديهما عن الأخرى فلا معنى للزيادة عليه إذا عرفت هذا فمن اقتصر في ابطالها على الحد المشروع فلا شئ عليه ومن جاوزه فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذي اتى به ومن احرقها فعليه قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع البحث الثاني في الأعيان المالية مسألة الأعيان المالية مضمونة بشرط ان يكون معصومة ولا يضمن مال الحربي لو أتلفه اجماعا والأعيان المضمونة إما حيوان أو غيره والحيوان إما ادمي أو غيره فالأقسام ثلاثة الأول الآدمي هو الرقيق العبد أو الأمة فيضمن النفس والطرف من الرقيق بالجناية كما يضمن الحر ويضمن أيضا باليد العادية إما نفس العبد أو الأمة فبدله قيمته ما لم يتجاوز العبد
(٣٧٩)