صلى الله عليه وآله قال الصلح جايز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا وعن عبد الله بن كعب بن مالك ان كعب بن مالك اخبره انه تقاضا ابن أبي حدود دينا كان له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بيته فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إليهما حتى كشف سجف حجرته ونادى يا كعب قال لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وآله فأشار بيده ان ضع الشطر من دينك قال كعب قد فعلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال قم فاقبضه ومن طريق الخاصة ما رواه حفص بن البختري في الحسن عن الصادق (ع) قال الصلح جايز بين الناس وفي الصحيح عن الباقر والصادق عليهما السلام انهما قالا في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه لك ما عندك ولي ما عندي فقال لا بأس بذلك وقد أجمعت الأمة على جواز الصلح في الجملة ولم يقع بين العلماء فيه خلاف مسألة الصلح عند علمائنا أجمع عقد قائم بنفسه ليس فرعا على غيره بل هو أصل في نفسه منفرد بحكمه ولا (يتبع)؟
غيره في الاحكام لعدم الدليل على تبعيته على الغير والأصل في العقود الأصالة وقال الشافعي انه ليس بأصل ينفرد بحكمه وانما هو فرع على غيره وقسمه على خمسة اضرب ضرب هو فرع البيع وهو ان يكون في يده عين أو في ذمته دين فيدعيها انسان فيقر له بها ثم يصالحه على ما يتفقان عليه وهو جايز فرع على البيع بل هو بيع عنده يتعلق به احكامه وضرب هو فرع الابراء والحطيطة وهو ان يكون له في ذمته دين فيقر له بها ثم يصالحه على أن يسقط بعضه ويدفع إليه بعضه وهو جايز فرع الابراء وضرب هو فرع الإجارة وهو ان يكون له عنده دين أو عين فيصالحه من ذلك على خدمة عبد أو سكنى دار مدة فيجوز ذلك ويكون فرع الإجارة ضرب هو فرع الهبة وهو ان يدعي عليه دارين أو عبدين وشبههما في يده فيقر له بهما ويصالحه من ذلك على إحديهما فيكون هبة للأخرى وضرب هو فرع العارية وهو أن تكون في يده دار فيقر له بها فيصالحه على سكناها شهرا وهو جايز ويكون ذلك عارية وقال بعض الشافعية الصلح فرع للبيع والابراء والهبة خاصة ثم فسر الابراء والهبة بما ليس بصلح فقال إذا كان له في ذمته ألف درهم فقال قد أبرأتك من خمس مائة ويدفع إليه خمس مائة فإن كان بلفظ الصلح لم يصح وكذا إذا قال أبرأتك من خمس مائة على أن تعطيني خمس مائة فإنه لا يجوز وقال بعضهم يجوز بلفظ الصلح ثم قال القائل الأول لو ادعى عليه عينين فاقر له بهما فوهب له إحديهما واخذ الأخرى جاز ولا يجوز بلفظ الصلح أو بالشرط لان لفظ الصلح يقتضي المعاوضة فاما إذا صالحه على بعض الدين كان كأنه قد باع ألفا بخمس مائة وهو حرام واما في الهبة فإذا كان بلفظ الصلح فكأنه قد باع ماله بماله فلهذا لم يجز والمشهور عندهم الجواز لان لفظ الصلح إذا ذكر فيما كان معاوضة اقتضى ذلك ان يكون معاوضة فاما ان يكون لفظه يقتضيه فليس بصحيح لان الصلح انما معناه الاتفاق والرضي والاتفاق قد يحصل على المعاوضة وعلى غيرها كما أن لفظ التمليك إذا كان في طريقة المعاوضة مثل أن يقول ملكتك هذا بهذا فإنه يكون بيعا فإذا قال ملكتك هذا كان هبة حيث تجرد عن العوض كذا هنا أيضا وعلى القول الثاني يحرج قايله من أن يكون صلحا ولا يبقى له ثم تعلق لأنه إذا ادعى عليه شيئا فأقر به وأبرأه من بعضه واخذ بعضه بغير لفظ الصلح فذلك براءة وقبض دينه ولو ابراءه من جميعه لم يسم صلحا ولو قبض جميعه فكذلك ما ذكره فاما إذا كان بلفظ الصلح سمي بذلك لوجود لفظه وان لم يوجد معناه كما تسمى الهبة المشروطة بالثواب هبة لوجود لفظها وان لم يوجد في ذلك معناها وعلى هذا بخلاف ما تقدم لأنه معاوضة اجماعا فاما إذا قال أبرأتك من خمس مائة على أن تعطيني خمس مائة فان الشافعية منعوا منه لان هذا الاشتراط يجعله بحكم العوض عن المتنازع وذلك لا يجوز وإذا ورث رجلان من أبيهما أو أخيهما فصالح أحدهما الأخر على نصيبه كان ذلك صحيحا عندنا مستقلا بنفسه وعندهم انه فرع البيع فإذا شاهد التركة وعرفا المعوض صح الصلح مسألة الصلح إما ان يجري بين المتداعيين أو بين المدعي وبين أجنبي والأول قسمان أحدهما ما يجري على الاقرار عند الشافعية وهو نوعان أحدهما الصلح عن العين والثاني الصلح عن الدين النوع الأول الصلح عن العين وهو قسمان صلح معاوضة وصلح حطيطة إما صلح المعاوضة فهو الذي يجرى على العين المدعاة كما لو ادعى دارا فاقر له المتشبث بها وصالحه منها على عبد أو ثوب وحكمه حكم البيع عند الشافعي وان عقد بلفظ الصلح ويتعلق به جميع احكام البيع كالرد بالعيب والشفعة والمنع من التصرف قبل القبض واشتراط القبض إن كان المصالح عنه والمصالح عليه متوافقين في علة الربا واشتراط التساوي في الكيل والوزن ان اتحد جنسهما من أموال الربا وجريان التحالف عند الاختلاف وفساد العقد بالغرر والجهل هذا إذا صالح منها على عين أخرى وان صالح منها على منفعة دار أخرى أو خدمة عبد سنة جاز وكان اجارة فيثبت فيه احكامها واما صلح الحطيطة وهو الجاري على بعض العين المدعاة كما لو صالح من الدار المدعاة على نصفها أو ثلثها فإنه هبة بعض المدعى ممن هو في يده فيشترط القبول ومضي امكان القبض ويصح بلفظ الهبة اجماعا وما في معناها وفي صحتها بلفظ الصلح وجهان عندهم أحدهما المنع لان الصلح يتضمن المعاوضة ولا يقابل الانسان ملك نفسه ببعضه وأظهرهما عندهم الصحة لان الخاصية التي يفتقر إليها لفظ الصلح وهو سبق الخصومة قد حصلت مسألة لو صالحه من أرش الموضحة مثلا على شئ معلوم جاز إذا علما قدر أرشها وبه قال الشافعي ولو باعه لم يجز عند بعض الشافعية وخالفه معظم الشافعية في افتراق اللفظين وقالوا إن كان الأرش مجهولا كالحكومة التي لم تقدر ولم تنضبط لم يجز الصلح عنه ولا بيعه وإن كان معلوم القدر والصفة كالدراهم والدنانير إذا ضبطت في الحكومة جاز الصلح عليها وجاز بيعها ممن عليه وإن كان معلوم القدر دون الصفة على الحد المعتبر في السلم كالإبل الواجبة في الدية وفي جواز الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع جميعا للشافعية قولان أحدهما الصحة كما لو اشترى عينا ولا يعرف صفاتها وأظهرهما عندهم المنع كما لو أسلم في شئ غير موصوف هذا حكم الجراح الذي لا يوجب القود وان أوجبه إما في النفس أو فيما دونها فالصلح عنها مبني عندهم على الخلاف في أن موجب العمد القصاص أو أحد الامرين وسيأتي إن شاء الله تعالى مسألة لا يشترط عندنا سبق الخصومة في الصلح لأصالة الصحة فلو كان الواحد ملك فقال له غيره بعني ملكك بكذا فباعه صح البيع اجماعا ولو قال له صالحني عنه بألف ففعل صح عندنا لان الصلح عقد مستقل بنفسه وهو أحد وجهي الشافعية لان مثل هذا الصلح معاوضة ولا فرق بين ان يعقده بلفظ الصلح أو بلفظ البيع وأظهرهما عندهم المنع لان لفظ الصلح انما يستعمل ويطلق إذا سبقت الخصومة وهو ممنوع ولا عبرة باللفظ هذا إذا اطلقا لفظ الصلح ولم ينويا شيئا إما إذا استعملا ونويا البيع فإنه يكون كناية قطعا ويكون عند الشافعية مبنيا على الخلاف المشهود في انعقاد البيع بالكنايات وعندنا الأصل عصمة مال الغير وعدم الانتقال عنه بالكناية مسألة لو صالح الامام أهل الحرب من أموالهم على شئ يأخذه منهم جاز ولا يقوم البيع مقامه وبه قال بعض الشافعية واعترض بعضهم بان هذا الصلح ليس عن أموالهم وانما يصالحهم ويأخذه منهم للكف عن دمائهم وأموالهم وهذا الكلام ساقط عندنا لان الصلح عقد مستقل بنفسه على ما تقدم النوع الثاني الصلح عن الدين