الحيوان رعاية حق المالك برد عين ماله إليه ورعاية حق الغاصب بتقليل الضمان ولو ابتلعت شاة رجل جوهرة اخر غير مغصوبة ولم يمكن اخراجها الا بذبح الشاة ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقل وكان ضمان قيمتها على صاحب الجوهرة لأنه لتخلص ماله ان يكون التفريط من صاحب الشاة بان يكون يده عليها ولا شئ على صاحب الجوهرة لان التفريط من صاحب الشاة فالضرر عليه ولو قال من عليه الضمان منهما انا أتلف مالي ولا أغرم شيئا للاخر فله ذلك لان اتلاف مال الأخر انما كان لحقه وسلامة ماله وتخليصه فإذا رضي بتلفه لم يجز اتلاف غيره ولو أدخلت رأسها في قدر غيره ولا تفريط من أحدهما كسرت القدر فلا تفريط من أحدهما كسرت القدر وغرم صاحب الشاة أرشها لأنه بتخليص ماله فان قال لا أغرم شيئا لم يجبر صاحب القدر على شئ لان القدر لا حرمة لها فلا يجبر صاحبها على تخليصها واما الشاة فان لها حرمة فلا يحل تركها لما فيه من تعذيب الحيوان فيقال له إما ان تذبح الشاة لتخلص من العذاب واما ان تغرم القدر لصاحبها إذا كان كسرها أقل ضررا عليه وتخلص الشاة لان ذلك من ضرورة ابقائها أو تخليصها من العذاب فلزمه كعلفها وإن كان الحيوان غير مأكول احتمل ان يكون كالشاة للمالك ذبحه إذا كانت قيمته أقل من قيمة القدر وان لا يكون لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن ذبح الحيوان لغير مالكه وقوى بعض العامة الأول لان حرمته معاوضة بحرمة الآدمي الذي يتلف ماله والنهي عن ذبحه معارض بالنهي عن إضاعة المال وفي كسر القدر مع كثرة قيمته إضاعة المال البحث الثاني الزيادة والنظر في أمرين الأول زيادة الآثار مسألة إذا غصب شيئا فزاد في يد الغاصب فإن كانت لا من فعله فهي للمالك سواء كانت الزيادة متصلة أو منفصلة وسواء كانت اثرا أو عينا وإن كانت من فعل الغاصب وكانت اثرا محضا لم تستحق الغاصب بتلك الزيادة شيئا لأنه متعد ثم ينظر ان لم يمكن رده إلى الحالة الأولى رده بحاله وأرش النقصان نقصت قيمته وان أمكن رده إلى الحالة الأولى فان رضي به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان ولا اخذ شئ عن اثره بل عليه أرش النقص ان نقص عما كان قبل الزيادة وهذه قاعدة كلية في جميع الزيادات من الآثار التي ليست عينية مسألة لا يملك الغاصب العين المغصوبة بتغير صفاتها فلو غصب حنطة فطحنها أو شاة فذبحها أو حديدا فصنعه سكينا أو انية أو آلة أو ثوبا فقطعه وخاطه أو قصره أو طينا فضربه لبنا فان حق المالك لا ينقطع عن هذه الأعيان ولا يملك الغاصب العين بشئ من هذه التصرفات بل يردها مع أرش النقصان ان نقصت القيمة عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي واحمد في إحدى الروايتين لأصالة بقاء الملك المالك على صاحبه ولم يوجد شئ من العقود الناقلة ولقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتصرف الغاصب فيه باطل فلا يكون سببا لإباحة اكله ولان كلما فعله الانسان بملكه لم يزل ملكه عنه فإذا فعله بملك غيره لم يبطل حق صاحبه كما لو ذبح الشاة أو ضرب النقرة دراهم لان عين المغصوب منه قايمة فيجب ردها كما لو ذبح الشاة ولم يشوها ولأنه لا يزيل الملك لو كان بغير فعل ادمي فلم يزله إذا فعله ادمي وبه قال أبو حنيفة واحمد في الرواية الأخرى ان حق المالك ينقطع عن الغير ويملكها الغاصب ولا يجوز التصرف فيها الا بالصدقة الا ان يدفع قيمتها فيجوز له التصرف في جميعه لان النبي صلى الله عليه وآله زار قوما من الأنصار في دارهم فقدموا له شاة مشوية فتناول منها لقمة فجعل يلوكها ولا يسيغها؟ فقال إن هذه الشاة لتخبرني انها أخذت بغير حق فقالوا نعم يا رسول الله صلى الله عليه وآله طالبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا ونحن نرضيهم من ثمنها فقال النبي صلى الله عليه وآله اطعموها للأسرى وهذا يدل على أن حق أصحابها انقطع عنها والا كان يردها عليهم وهو مع صحته محمول على أن يكون أطعمه للأسرى لانهم مضطرون إليه أو خاف هلاكه إلى أن يرده على صاحبه مسألة لو غصب ثوبا فشقه أو اناء فكسره لم يملكهما بذلك على ما تقدم بل يرده على المالك مع الأرش ولا يجبر على رفاء الثوب واصلاح الاناء وبه قال الشافعي لأنه لا يعود إلى ما كان عليه أولا بالرفاء والاصلاح وقال مالك انه يجبر عليهما كما في تسوية الحفر والفرق ظاهر ولو غزل القطن المغصوب رد الغزل وأرش النقص ان نقص ولو نسج الغزل المغصوب فالكرباس للمالك مع أرش النقص ان نقص وليس للمالك اجباره على نقضه إن كان لا يمكن رده إلى الحالة الأولى ونسجه ثانيا وان أمكن كالخز فللمالك اجباره عليه فان نقضه فنقصت قيمته عن قيمة الغزل في الأصل غرمه ولا يغرم ما كان قد زاد بالنسج وفات بالنقض لان المالك امره بذلك فان نقص من غير اذن المالك ضمنه أيضا على اشكال ولو نهاه المالك عن النقض لم يجز له نقضه فان نقضه ولم تنقص قيمته ولا عينه عن الغزل أولا بل عنه منسوجا ففي الضمان اشكال ينشأ من وجوب دفعه إلى مالكه على حاله منسوجا ومن أن النسج من فعله وقد ازاله فلا يغرمه ولو غصب نقرة وضربها دراهم أو صاغ منها حليا أو غصب نحاسا أو زجاجا واتخذ منه اناء فان رضي المالك بعوده كذلك أو لم يكن له رده إلى الحالة الأولى الا ان يكون ضرب الدراهم بغير اذن السلطان أو غير عياره لأنه حينئذ يخالف التغرير مسألة قد بينا ان الغاصب لا شئ له بعمله سواء زادت العين أو لم تزد وبه قال الشافعي لان الغاصب عمل في ملك غيره بغير اذنه فلم يستحق وذلك عوضا كما لو غلا زيتا فزادت قيمته أو بنى حايطا لغيره أو زرع حنطة انسان في ارضه وساير عمل الغاصب وقال بعض العامة ان الغاصب يشارك المالك بالزيادة لأنها حصلت بمنافعه ومنافعه تجري مجرى الأعيان فأشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه والفرق ظاهر فان الصبغ عين لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله في ملك غيره وهو حجة عليه لأنه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره وجعله كالصفة ولئن لا يزول ملك غيره بعمله فيه أولي وهذا بخلاف ما لو زرع في ارض غيره فإنه يرد عليه نفقته فان الزرع ملك الغاصب لأنه عين ماله ونفقته عليه تزداد به قيمته فإذا اخذه مالك الأرض احتسب له بما أنفق على ملكه وفي مسئلتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير اذنه فكان لاغيا على انا نمنع وجوب النفقة في الزرع بل الزرع للغاصب وعليه الأجرة النظر الثاني في زيادة الأعيان مسألة إذا غصب أرضا وبنى فيها أو غرس أو زرع كان لصاحب الأرض الزام الغاصب بالقلع وبه قال الشافعي لقوله (ع) ليس لعرق ظالم حق وغصب رجل أرضا فغرس فيها فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله فأمره بقلع النخل قال الراوي فلقد رايتها والغرس تعمل في أصولها وانها النخل عمر ولأنه شغل ارض غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه بغير اذنه فلزمه تعريصه؟
كما لو جعل فيه قماشا ولا خلاف في الغرس إما لو زرع في الأرض المغصوبة فكذلك عندنا وعند الشافعي وقال احمد إن كان بعد حصاد الزرع فلذلك يكون الزرع للغاصب اجماعا لأنه نماء ملكه وعليه الأجرة إلى وقت التسليم وضمان النقص ولو جاء صاحبها والزرع قايم فيها لم يملك المالك اجبار الغاصب على قلعه وخير المالك بين ان يقيم الزرع في الأرض إلى الحصاد ويأخذ من الغاصب اجرة الأرض وأرش النقص وبين ان يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له لان رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من زرع في ارض قوم بغير اذنهم وليس له من الزرع شئ وعليه نفقته وفيه دليل على أن الغاصب لا يجبر على قلعه لأنه ملك المغصوب منه وروى رافع ان النبي صلى الله عليه وآله رأى زرعا في ارض ظهر فأعجبه فقال ما أحسن زرع ظهر فقال إنه ليس لظهر ولكنه لفلان قال فخذوا زرعكم وردوا إليه نفقته قال رافع فأخذنا زرعنا ورددنا عليه نفقته ولأنه أسكن رد المغصوب إلى مالكه من غير اتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلا يجوز اتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله وادخلها البحر أو غصب لوحا فرقع به سفينة فإنه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة وينتظر حتى يخرج صيانة للمال عن التلف كذا هنا ولأنه زرع حصل في ملك غيره