لان كل ذلك يعبر به عن الجملة ولو كفل رأسه أو كبده أو عضوا لا يبقى الحياة بدونه أو بجزء شايع فيه كثلثه وربعه قال بعض علمائنا لا يصح إذ لا يمكن احضار ما شرط مجردا ولا يسري العقد إلى الجملة وقال بعض الشافعية يصح الكفالة لأنه لا يمكن احضار ذلك المكفول الا باحضار كله وهو الوجه عندي ولو تكفل بعضو تبقى الحياة بعد زوال كبده ورجله وإصبعه وغيرها للشافعية وجهان أحدهما الصحة لأنه لا يمكنه احضار هذه الأعضاء على صفتها الا باحضار البدن كله فأشبه الكفالة بالوجه والقلب ولأنه حكم تعلق بالجملة فيثبت حكمه إذا أضيف إلى البعض كالعتق والثاني لا يصح لأنه لا يمكن احضاره بدون الجملة مع بقائها وقال بعض الشافعية لا يصح الكفالة في جميع ذلك كله سواء بقيت الحياة بدونه أو لا وسواء كان جزءا مشاعا أو لا لان ما لا يسري إذا خص به عضوا لم يصح كالبيع والإعارة والوصية والإجارة البحث الثاني في الكفيل والمكفول والمكفول له مسألة يشترط في الكفيل البلوغ والعقل والحرية وجواز التصرف فلا تصح كفالة الصبي ولا المجنون ولا العبد ولا من لا يجوز تصرفه كالسكران والغافل والنايم والساهي والمحجور عليه للسفه والفلس لان الكفالة تستلزم غرم المال مع عدم الاحضار وهؤلاء كلهم ممنوعون من التصرف في أموالهم ولا يشترط ذلك في المكفول ولا في المكفول له فإنه يجوز الكفالة للصبي والمجنون وغيرهما إذا قبل الولي مسألة يشترط رضي الكفيل فلا تصح كفالة المكره على الكفالة لأنه لا يصح ان يلزمه بالحق ابتداء الا برضاه ولا نعلم فيه خلافا وكذا يعتبر رضي المكفول له لأنه صاحب الحق فلا يجوز الزامه شيئا بغير رضاه وكما يعتبر رضي المرتهن في الارتهان كذا المكفول له يعتبر رضاه في الكفالة وقال احمد لا يعتبر رضاه لأنه التزام حق له من غير عوض فلم يعتبر رضاه فيها وليس بصحيح أما المكفول به فلا يعتبر رضاه بل تصح الكفالة وان كره المكفول به عند علمائنا وبه قال ابن شريح من الشافعية لأنها وثيقة على الحق فصحت بغير أمر من عليه كالضمان وقال عامة الشافعية وهو منقول عن الشافعي انه يعتبر رضي المضمون به لأنه إذا لم يأذن المكفول به في الكفالة لم يلزمه الحضور معه فلم يتمكن من احضاره فلم تصح كفالته لأنها كفالة بغير المقدور عليه بخلاف الضمان لأنه يمكنه الدفع من ماله ولا يمكنه ان ينوب عنه في الحضور ونمنع عدم لزوم الحضور وخلاف الشافعية هنا مبني على أن الكفيل هل يغرم عند العجز ان قلنا لا يغرم لم تصح الكفالة لأنه إذا تبرع لم يتمكن من احضاره إذ لا يلزمه الإجابة فلا تقضي الكفالة إلى مقصود وان قلنا نعم ويغرم عند العجز فعلى قولنا إذا تكفل به بغير امره فطالبه المكفول له باحضاره وجب عليه احضاره ووجب على المكفول به الحضور لا من جهة الكفالة ولكن لان المكفول له امره باحضاره فهو بمنزلة وكيله في مطالبته بحضوره ولو لم يقل المكفول له احضره ولكن قال اخرج إلى من كفالتك أو اخرج عن حقي فهل يجب على المكفول به الحضور الأقرب ذلك لان ذلك يتضمن الاذن له في احضاره وهو أحد وجهي الشافعية على قول ابن شريح والثاني لا يلزمه لأنه طالبه بما عليه من الاحضار فعلى هذا له حبسه ولا يلزم المكفول به الحضور وهو باطل لأنه يحبس على ما لا يقدر عليه مسألة يشترط في المكفول به التعيين ولو قال كفلت أحد هذين أو كفلت زيدا أو عمروا لم يصح لأنه لم يلتزم باحضار أحدهما بعينه وكذا لو قال كفلت لك ببدن زيد على اني ان جئت به والا فانا كفيل بعمرو لم يصح لأنه لم يلتزم احضار أحدهما بعينه ولأنه علق الكفالة في عمرو بشرط والكفالة لا تتعلق بالشرط فلو قال إن جئت فانا كفيل به لم يصح وكذا لو قال إن جاء زيد فانا كفيل أو ان طلعت الشمس وبذلك كله قال الشافعي ولو قال انا احضره أو أودي ما عليه لم يكن كفالة مسألة كل من عليه حق مالي صحت الكفالة ببدنه ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال لان الكفالة انما هي بالبدن لا بذلك المال والبدن معلوم فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارض ولانا قد بينا ان ضمان المجهول صحيح وهو التزام المال ابتداء فالكفالة التي لا تتعلق بالمال ابتداء أولى وهو قول أكثر الشافعية وقال بعضهم لا تصح كفالة من عليه حق مجهول لأنه قد يتعذر احضار المكفول به فيلزمه الدين ولا يمكن طلبه منه لجهله ولأنهم قالوا ذلك بناء على أنه لو مات غرم الكفيل ما عليه وهذا عندنا غير صحيح مسألة يشترط ان يكون ذلك المال ثابتا في الذمة بحيث يصح ضمانه فلو تكفل ببدن من لا دين عليه أو من جعل جعالة قبل الفعل والشروع فيه لم يصح ولو تكفل ببدن المكاتب للنجوم التي عليه صح عندنا لان مال الكتابة عندنا ثابت في ذمة المكاتب على ما سلف وللشيخ قول بعدم الثبوت لان له ان يعجز نفسه وبه قال الشافعي فعلى هذا لا يصح كفالة بدن المكاتب للنجوم التي عليه لأنه لو ضمن النجوم لم تصح فالكفالة بالبدن للنجوم أولى ان لا تصح ولان الحضور لا يجب على المكاتب فلا تجوز الكفالة به كدين الكتابة مسألة إذا كان عليه عقوبة فإن كانت من حقوق الله تعالى كحد الزنا والسرقة والشرب لم تصح الكفالة ببدنه عليها عند علمائنا وهو المشهور من مذهب الشافعي لان الكفالة للتوثيق وحقوق الله تعالى مبنية على الاسقاط وينبغي السعي في دفعها ما أمكن ولهذا لما أقر ماعز بالزنا عرض له رسول الله صلى الله عليه وآله بالرجوع والانكار فقال له لعلك قبلتها لعلك لامستها واعرض بوجهه صلى الله عليه وآله عنه وطرد القاضي ابن سلمة وابن خيران من الشافعية القولين فيه والخلاف في هذا الباب سببه الخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي وأما إن كانت العقوبة من حقوق الآدميين كالقصاص وحد القذف فالأقرب عندي ثبوتها في القصاص أما الحد فلا تصح الكفالة به لما رواه العامة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا كفالة في حد ومن طريق الخاصة ما رواه الصدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين علي (ع) قال قضى لنا انه لا كفالة في حد وهذا القول بعدم صحة الكفالة في الحد قول أكثر العلماء وبه قال شريح والحسن البصري وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور وأصحاب الرأي واحمد واختلف قول الشافعي فيه فقال في باب اللعان انه لا يكفل رجل في حد ولا لعان ونقل المزني عنه أنه قال يجوز الكفالة لمن عليه حق أو حد واختلف أصحابه في ذلك على طرق أظهرها عندهم ويحكي عن ابن شريح انه على قولين أحدهما الجواز لأنه حق لازم لادمي فصحت الكفالة به كساير حقوق الآدميين ولان الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره والثاني المنع لان العقوبات مبنية على الدفع ولهذا قال (ع) ادرأوا الحدود بالشبهات فينبغي ابطال الدرء مع المؤدية إلى توسيعها وتحصيلها ولأنه حق لا يجوز استيفاءه من الكفيل إذا تعذر احضار المكفول به فلم تصح الكفالة ممن هو عليه كحد الزنا وأبو حامد من الشافعية بنى على القولين على أنه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدين ان قلنا نعم لم تصح الكفالة لأنه لا يمكن مؤاخذته بما عليه وان قلنا لا صحت كما لو تكفل ببدن من عليه مال ولا قضية هذا البناء ان يكون قول التصحيح أظهر وهو اختيار القفال وادعى الروباني ان المذهب المنع الطريق الثاني للشافعية القطع بالجواز وحمل ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحد الطريق الثالث القطع بالمنع لأنه لا يجوز الكفالة بما عليه فلا يجوز ببدنه والضابط في ذلك ان نقول حاصل كفالة البدن التزام احضار المكفول ببدنه فكل من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الاستعداء ويستحق احضاره تجوز الكفالة مسألة لو ادعى شخص زوجية امرأة صحت الكفالة ببدنها لوجوب الحضور عليها إلى مجلس الحكم وكذلك الكفالة بها ثم تثبت زوجيته وقال بعض الشافعية الظاهر أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من عليه القصاص لان المستحق عليها لا يقبل النيابة ولو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه صح ويلزمه السعي في رده ويتأتى فيه ما قيل في الزوجة ومن في يده مال مضمون كالغصب والمستام والعارية بشرط الضمان تصح كفالته وضمان عين المغصوب والمستام ليردها على مالكها فان رد برئ من الضمان وان تلفت ففي الزامه بالقيمة وجهان الأقرب العدم وتصح كفالة
(١٠٠)