كتاب تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي أعلى الله مقامه بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الديون وتوابعها وفيه مقاصد المقصد الأول في الديون واحكامها وفيه فصول الأول في مطلق الدين. مسألة تكره الاستدانة كراهة شديدة مع عدم الحاجة قال أمير المؤمنين (ع) إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار ومذلة بالليل وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة وقال الصادق (ع) نعوذ بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال وبواد الاثم وقال معاوية بن وهب للصادق (ع) انه ذكر لنا ان رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران فلم يصل النبي صلى الله عليه وآله وقال صلوا على صاحبكم حتى ضمنها بعض قرابته فقال الصادق عليه السلام ذلك الحق ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله انما فعل ذلك ليتعظوا وليرد بعضهم على بعض ولئلا يستخفوا بالدين وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه دين ومات الحسن (ع) وعليه دين وقتل الحسين (ع) وعليه دين وقال الباقر (ع) كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عز وجل الا الدين لا كفارة له الا اداءه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحق. مسألة وتخف الكراهية مع الحاجة فان اشتدت زالت ولو خاف التلف ولا وجه له الا الاستدانة وجبت قال الرضا (ع) من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل فان غلب عليه فليستدن على الله عز وجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله فان مات ولم يقضه كان على الامام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره ان الله يقول انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين فهو فقير مسكين مغرم. مسألة:
ويكره له الانقطاع عن طلب الرزق ومنع صاحب الدين دينه قال أبو تمامة للجواد (ع) اني أريد ان الزم مكة والمدينة وعلي دين فما تقول فقال ارجع إلى مؤدى دينك وانظر ان تلقى الله عز وجل وليس عليك دين ان المؤمن لا يخون مسألة ولو احتاج إلى الدين وكان له من يقوم مقامه في الأداء بعد موته جاز له الاستدانة من غير كراهية وكذا إذا كان له وفاء جاز له الاستدانة ولو لم يكن وتمكن من سؤال الناس كان أولي من الاستدانة قال سلمة سألت الصادق (ع) الرجل يكون منا عنده الشئ يبتلع به وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتي الله عز وجل امره فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب أو يقبل الصدقة قال يقضي مما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يودي إليهم حقوقهم ان الله يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا يستقرض على ظهره الا وعنده وفاء ولو طاف على أبواب الناس يردوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين الا ان يكون له ولي يقضي من بعده ليس منا من يموت الا جعل الله عز وجل له وليا يقوم في عدته ودينه فيقضي عدته ودينه. مسألة: ويجب على المستدين نية القضاء لأنه واجب قال الصادق عليه السلام: من كان عليه دين ينوي قضاءه وكان معه من الله عز وجل حافظان يعينانه على الأداء عن امامه فان قصرت نيته عن الأداء قصرا عنه من المعونة بقدر ما نقص من نيته إذا ثبت هذا فإذا قضى الدين عن الميت برئت ذمته قال الوليد بن صبيح جاء رجل إلى الصادق (ع) يدعي على المعلى بن خنيس دينا عليه وقال ذهب بحقي فقال له الصادق (ع) ذهب بحقك الذي قتله ثم قال للوليد قم إلى الرجل فاقضه حقه فاني أريد ان تبرد عليه جلدته وإن كان باردا. مسألة: ويكره النزول على المديون لما فيه من الاضرار به فان فعل فلا يزيد على ثلاثة أيام لان الصادق (ع) كره ان ينزل الرجل على الرجل وله عليه دين وإن كان بديها له ثلاثة أيام وسأل سماعة الصادق (ع) عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه دين يأكل من طعامه قال نعم يأكل من طعامه ثلاثة أيام ثم لا يأكل بعد ذلك شيئا وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادق (ع) انه كره للرجل ان ينزل على غريمه قال لا يأكل من طعامه ولا يشرب من شرابه ولا يعلف من علفه. مسألة: ولا ينبغي للرجل ان يحبس الدين عن صاحبه مخافة الفقر لقول الباقر (ع) من حبس حق امرؤ مسلم وهو يقدر ان يعطيه إياه مخافة ان يخرج ذلك الحق من يديه ان يفتقر كان الله أقدر على أن يفقره منه ان يغني نفسه بحبس ذلك الحق وينبغي للمديون السعي في قضاء الدين وان يترك الاسراف في النفقة وان يقنع بالقصد ولا يجب ان يضيق على نفسه بل يكون بين ذلك قواما ويستحب لصاحب الدين الارفاق بالمديون وترك الاستقصاء في مطالبته ومحاسبته لما رواه حماد بن عثمان قال دخل على الصادق (ع) رجل من أصحابه فشكى إليه رجلا من أصحابه فلم يلبس ان جاء المشكاة فقال له أبو عبد الله ما لأخيك فلان يشكوك فقال له يشكوني ان استقصيت حقي قال فجلس مغضبا ثم قال كأنك إذا استقصيت حقك لم تسئ أرأيتك ما حكاه الله تعالى فقال يخافون سوء الحساب انما خافوا ان يجود الله عليهم لا والله ما خافوا الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء ويستحب لصاحب الدين ابراء المديون إذا مات معسرا قال أبو تميم ابن عبد الحميد للصادق (ع) إن لعبد الرحمن بن سيابة دينا علي رجل قد مات وكلمناه على أن يحلله فابى قال ويحه إما يعلم له بكل درهم عشرة إذا حلله فإن لم يحلله فإنما له بدل درهم بدرهم وينبغي لصاحب الدين احتساب ما يهديه إليه المديون مما لم تجر عادته يهديه مثله له من الدين لان رجلا اتى عليا (ع) قال إن لي على رجل دينا فاهدى إلي قال قال احسبه من دينك. مسألة: لو التجأ المديون إلى الحرم لم تجز مطالبته فيه بل يضيق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج ويطالب حينئذ وكذا ان وجب عليه حد فالتجأ إليه لقوله تعالى ومن دخله كان أمنا ولان سماعة بن مهران سئل الصادق (ع) عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقاضاه قال قال لا تسلم عليه ولا ترعه حتى يخرج من الحرم إما لو استدان فيه فالوجه جواز المطالبة فيه كالحدود ولو غاب المديون قضى عنه وكيله إن كان له وكيل والا قضاه الحاكم لما رواه محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال الغايب يقضى عنه إذا قامت البينة عليه ويباع ماله ويقضى عنه وهو غايب ويكون الغايب على حجته إذا قدم ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة الا بكفلا إذا لم يكن مليا. الفصل الثاني: في القضاء. مسألة: يجب على المديون المبادرة إلى قضاء الدين ولا يحل تأخيره مع حلوله وتمكنه من الأداء ومطالبة صاحب الدين فان أخر والحال هذه كان عاصيا ووجب على الحاكم حبسه لان الصادق (ع) قال كان أمير المؤمنين يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص فان أبى باعه فقسمه بينهم يعني ماله إذا ثبت هذا فلو أصر على الالتواء؟ كان فاسقا لا تقبل شهادته ولا يصح صلاته في أول الوقت بل إذا تضيق ولا يصح منه فعل شئ من الواجبات الموسعة المنافية للقضاء في أول أوقاتها وكذا غير الديون من الحقوق الواجبة كالزكاة والخمس وان لم يطالب بها الحاكم لان أربابها في العادة مطالبون. مسألة: لو مات المديون ولم يتمكن من القضاء ولم يخلف شيئا البتة لم يكن معاقبا إذا لم ينفقه في المعصية