الذكر والمراة مختلفان في السن فالذكر يعلم بلوغه بمضي خمسة عشر سنة والأنثى بمضي تسع سنين عند علمائنا ومن خالف بين الذكر والأنثى أبو حنيفة وسوى بينهما الشافعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل ومحمد وأبو يوسف إذا عرفت هذا فان الشافعي والأوزاعي وأبا ثور واحمد وأبا يوسف ومحمد قالوا حد بلوغ الذكر والأنثى بلوغ خمس عشر سنة كاملة وقال أبو حنيفة حد بلوغ المراة سبع عشرة سنة بكل حال وله في الذكر روايتان إحديهما سبع عشرة أيضا والاخرى ثماني عشرة سنة كاملة وقال أصحاب مالك حد البلوغ في الغلام والمراة سبع عشرة سنة وثماني عشرة سنة وما قلناه أولى لان الغالب في مني الرجل انه يحصل ببلوغ خمس عشرة سنة والمراة قد تحيض ببلوغ تسع سنين فإذا توافقت العلامات دل على حصول البلوغ بذلك وقول أبي حنيفة ومالك وداود يدفعه ما تقدم في خبر ابن عمر وغيره تذنيب لا يحصل البلوغ بنفس الطعن في السن الخامسة عشر إذا لم يستكملها عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب وهو الظاهر من مذهب الشافعي وله وجه اخر ان البلوغ يحصل بذلك لأنه حينئذ يسمى ابن خمس عشرة سنة وهو ممنوع ورواية أبي حمزة عن الباقر (ع) في طريقها قول على أن جريان الاحكام عليه بمعنى التحفظ أو على سبيل الاحتياط حتى يكلف العبادات للتمرين عليها والاعتقاد لها فلا يقع منه عند البلوغ الاخلال بشي ء منها البحث الرابع في الحيض والحبل مسألة الحيض في وقت الامكان دليل البلوغ ولا نعلم فيه خلافا والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وآله قال لأسماء بنت أبي بكر ان المراة إذا بلغت الحيض لا يصلح ان يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفين علق وجوب الستر بالحيض وذلك نوع تكليف وقال صلى الله عليه وآله لا يقبل صلاة من حايض الا بخمار اشعارا بأنها (اشعرانها) بالحيض كلفت الصلاة ولو اشتبه الخراج هل هو حيض أم لا لم يحكم بالبلوغ الا مع تيقن بأنه حيض عملا بالاستصحاب مسألة الحبل دليل البلوغ لأنه مسبوق بالانزال لان الله تعالى اجرى عادته بان الولد لا يخلق الا من ماء الرجل وماء المراة قال الله تعالى أمشاج نبتليه وقال تعالى فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب لكن الولد لا يتيقن الا بالوضع فإذا وضعت حكمنا بالبلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشئ لان أقل الحمل ستة أشهر ولا فرق بين ان يكون ما ولدته تاما أو غير تام إذا علم أنه ادمي ومبدء صورة آدمي كعلقة تصورت فإن كانت مطلقة واتت بولد يلحق الزوج حكمنا ببلوغها لما قبل الطلاق الفصل الثاني الجنون ولا خلاف بين العلماء كافة في الحجر على المجنون ما دام مجنونا وانه لا ينفذ شئ من تصرفاته لسلب أهليته عن ذلك والحديث يدل عليه وهو قوله (ع) رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يتنبه ولا خلاف في أن زوال الجنون مقتض لزوال الحجر عن المجنون سواء حكم به حاكم أو لا وسواء كان الجنون يعتوره دائما أو يأخذ أدوارا نعم ينفذ تصرفه حال افاقته إذا عرف رشده ولا ينفذ حالة جنونه بلا خلاف الفصل الثالث السفيه وفيه مباحث الأول في الحجر عليه مسألة قال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وقال تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وانما أضاف الله تعالى الأموال إلى الأولياء وهي لغيرهم لانهم القوام عليها والمدبرون لها وقد يضاف الشئ إلى غيره بأدنى ملابسة كما يقال لاحد حاملي الخشبة خذ طرفك فقد شرط الله في دفع المال إلى اليتيم أمرين البلوغ وقد سبق والرشد لان الحجر عليه انما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة حفظا لماله على وبالبلوغ والرشد يقدر على التصرف ويحفظ ماله فيزول الحجر لزوال سببه إذا عرفت هذا فإنما يزول الحجر عن الصبي بأمرين البلوغ والرشد لقوله تعالى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم والبلوغ قد سلف وأما الرشد فقال الشيخ رحمه الله هو ان يكون مصلحا لماله عدلا في دينه فإذا كان مصلحا لماله غير عدل في دينه أو كان عدلا في دينه غير مصلح لماله فإنه لا يدفع إليه وبه قال الشافعي والحسن البصري وابن المنذر ولقوله تعالى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم والفاسق موصوف بالغي لا بالرشد وروى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى فان انستم منهم رشدا هو ان يبلغ ذا وقار وحلم وعقل ومثله عن مجاهد ولان الفاسق غير رشيد فلو ارتكب شيئا من المحرمات مما يسقط به العدالة كان غير رشيد وكذا لو كان مبذرا لماله وتصرفه في الملاذ النفيسة والثياب الرفيعة والمركوبات الجليلة التي لا يليق بحاله كان سفيها ولم يكن رشيدا وقال أكثر أهل العلم الرشد الصلاح في المال خاصة سواء كان صالحا في دينه أو لا وهو قول مالك وأبي حنيفة واحمد وهو المعتمد عندي لقوله تعالى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم روى عن ابن عباس أنه قال يعني صلاحا في أموالهم وقال مجاهد إذا كان عاقلا وإذا كان حافظا لماله فقد انس منه الرشد ولان هذا نكرة مثبتة يصدق في صورة ما ولا ريب في ثبوت الرشد للمصلح لماله وإن كان فاسقا لأنه قد وجد منه رشد ولان العدالة لا يعتبر في الرشد في الدوام فلا يعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا ولان هذا مصلح لماله فأشبه العدل ولان الحجر عليه انما كان لحفظ ماله عليه وحراسته عن التلف بالتبذير فالمؤثر فيه ما اثر في تضييع المال والفاسق وان لم يكن رشيدا في دينه لكنه رشيد في ماله وينتقض قولهم بالكافر فإنه غير رشيد في دينه ولا يحجر عليه كذا الفاسق ولأنه لو طرأ الفسق على المسلم بعد دفع ماله إليه لم يزل رشده ولم يحجر عليه لأجل فسقه ولو كانت العدالة شرطا في الرشد لزال بزوالها كحفظ المال ولا يلزم من منع قبول شهادته منع دفع ماله إليه فان المعروف بكثرة الغلط والغفلة والنسيان ومن لا يتحفظ من الأشياء المفضية إلى قلة المروة كالاكل في السوق وكشف الرأس بين الناس ومد الرجل عندهم وأشباه ذلك لا يقبل شهادته فيدفع إليهم أموالهم اجماعا إذا عرفت هذا فان الفاسق إن كان ينفق ماله في المعاصي كشراء الخمور وآلات اللهو والقمار أو يتوصل به إلى الفساد فهو غير رشيد لا تدفع إليه أمواله اجماعا لتبذيره لماله وتضييعه إياه في غير فايدة وإن كان فسقه لغير ذلك كالكذب ومنع الزكاة وإضاعة الصلاة مع حفظه لماله دفع إليه ماله لان الغرض من الحجر حفظ المال وهو يحصل بدون الحجر فلا حاجة إليه وكذا لو طرأ الفسق الذي لا يتضمن تضييع لمال ولا تبذيره فإنه لا يحجر عليه اجماعا واعلم أن الشافعي قال الصلاح في الدين حين يكون الشهادة جايرة وقد بينا ان الشهادة قد ترد بترك المروة والصنايع الدنية كالزبال والسؤال على أبواب الدور وإن كان ذلك لا يثبت الحجر مسألة لو بلغ الصبي غير رشيد لم يدفع إليه ماله وان صار شيخا وطعن في السن وهذا قول أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر فإنهم يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرا كان أو كبيرا وبه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو يوسف ومحمد لقوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم علق دفع المال على شرطين البلوغ والرشد فلا يثبت الحكم بدونهما وقال تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم يعني أموالهم وقال تعالى فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع ان يمل هو فليملل وليه بالعدل أثبت الولاية على السفيه ولأنه مبذر لماله فلا يجوز دفعه إليه كغير البالغ خمسا وعشرين سنة وقال أبو حنيفة لا يدفع إليه ماله إذا كان قد بلغ سفيها وان تصرف نفذ تصرفه فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة فك عنه الحجر ودفع إليه ماله وإن كان سفيها لقوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن وقد زال اليتم ولأنه قد بلغ أشده وصلح ان يصير جدا ولأنه حر بالغ عاقل مكلف فلا يحجر عليه كالرشيد والآية لا دلالة فيها ولو دلت فإنما تدل بمفهوم الخطاب وهو ليس حجة عنده ثم هي مخصوصة بما قبل خمس وعشرين سنة بالاجماع فيجب ان يخص بما بعدها لان الموجب للتخصيص علة السفه وهي موجودة في ما بعدها فيجب ان يختص بها كما أن الآية لما خصصت في حق المجنون لأجل جنونه قبل خمس وعشرين
(٧٥)