مبنيان على أن النظر هل هو إلى منتهى الامر ومستقره أو إلى حالة ابتدائه ويحتمل عندي انه إذا قصد التملك دايما ان يكون مؤنة التعريف عليه أيضا لأنه واجب عليه فإذا لم يتم الا بالاجر وجب لانما لا يتم الواجب الا به يكون لا شك واجبا وكذا البحث في اجرة لقطة الحرم إما اجرة مخزنها ونشرها وطيها وتجفيفها فإنه على المالك ولو وليه الملتقط بنفسه لم يكن له اجرة وقال مالك إذا دفع الملتقط من اللقطة شيئا لمن عرفها لم يكن عليه غرم كما لو دفع منها شيئا لمن يحفظها والأصل ممنوع مسألة مكان التعريف في مجتمع الناس كالأسواق وأبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات وفى الجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيها وفي محافل (مجامع) الناس لان المقصود إشاعة ذكرها واظهارها ليظهر عليها مالكها فيجب تحري مجامع الناس ولا ينشدها في وسط المسجد لان المسجد لم يبن لهذا وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فان المساجد لم تبن لهذا وكراهة تعريف الضالة ككراهة طلبها في المساجد وقال بعض الشافعية الأصح من الوجهين جواز التعريف في المسجد الحرام بخلاف سائر المساجد ثم إذا التقط في بلد أو قرية فلابد من التعريف فيها فليكن أكثر تعريفه في البقعة بالمحلة التي وجد فيها فان طلب الشئ في موضع فقدانه أكثر فان اتفق له سفر فوض التعريف إلى غيره ولا يسافر بها ولو التقط في الصحراء فان اجتازت به قافلة يتبعهم وعرفها فيهم والا فلا فايدة في التعريف في المواضع الخالية ولكن يعرف عند الوصول إليها ولا يلزمه ان يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه الذي انشاء السفر منه وقال بعض الشافعية يعرفها في أقرب البلدان إليه نعم لو التقطها في منزل قوم رجع إليه وعرفهم فان عرفوها فهي لهم والا فلا لما رواه إسحاق بن عمار انه سأل الكاظم (ع) عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم يزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت فإن لم يعرفوها قال يتصدق بها إذا عرفت هذا فإنه لا يصحب اللقطة في السفر كما لا يصحب الوديعة ولكن يعرف في اي بلد دخله مسألة ينبغي ان يتولى التعريف شخص امين ثقة عاقل غير مشهور بالخلاعة؟ واللعب ليحصل الوثوق باخباره ولا يتولاه الفاسق لئلا يفقد فايدة التعريف وهذا على الكراهة دون التحريم وليس للملتقط تسليم اللقطة إلى غيره الا بإذن الحاكم فان فعل ضمن الا مع الحاجة بان يريد السفر ولا يجد حاكما يستأذنه فيجوز ان يسلمها إلى الثقة وكذا لو التقط في الصحراء ولم يتمكن من حفظها ومراعاتها فإنه يجوز له الاستعانة بغيره وتسليمها إليه مع عدم القدرة على الاستقلال بحفظها والمشاركة فيه مسألة قد بينا ان التعريف سنة يجب في قليل المال وكثيره ما لم يقصر عن درهم فلا يجب وهو أحد وجوه الشافعية لما رواه العامة عن عايشة انه لا بأس بما دون الدرهم ان يستنفع به ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) وما دون الدرهم فلا يعرف الثاني للشافعية ان القليل ان انتهت قلته ان يسقط تموله كالحبة من الحنطة والزبيبة الواحدة فلا تعريف على واجده وله الاستبداد به وبينهم خلاف في أن من أتلف مما لا يتمول ما هو من قبيل المثليات هل يغرمه والظاهر بينهم انه لا يغرمه كما لا يجوز بيعه وهبته وإن كان متمولا مع القلة فيجب تعريفه لان فاقده يطلبه خلافا لأبي حنيفة ومالك واختلفوا في قدر مدة تعريفه على وجهين أحدهما سنة لاطلاق الاخبار والثاني المنع لان الشئ الحقير لا يدوم فاقده على طلبه سنة بخلاف الخطير وعلى هذا فأوجه أحدها قال الإصطخري انه يكفي التعريف مرة لأنه يخرج بها عن حد الكاتم وليس بعدها مناط يعتمد والثاني يعرف ثلاثة أيام لأنه قد روي في بعض الأخبار من التقط لقطة يسيرة فليعرفها ثلاثة أيام والثالث وهو الاظهر بينهم انه يعرف مدة يظن في مثلها طلب الفاقد له إذا غلب على الظن اعراضه سقط الطلب ويختلف ذلك باختلاف قدر المال وقال بعض الشافعية دانق الفضة ويعرف في الحال ودانق الذهب يعرف يوما أو يومين أو ثلاثة واختلفوا في الفرق بين القليل المتمول وبين الكثير على أوجه أحدها انه لا يتقدر بمقدار ولكن ما يغلب على الظن ان فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له في الغالب فهو قليل والثاني ان القليل ما دون نصاب السرقة فإنه تافه في الشرع وقد قالت عايشة ما كانت الأيدي تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله في الشئ التافه وبه قال أبو حنيفة ومالك والثالث ان القليل دينار فما دون لما رواه العامة ان عليا (ع) وجد دينارا فسأل النبي صلى الله عليه وآله فقال هذا رزق الله فاشتر به دقيقا ولحما فاكل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة عليهما السلام ثم جاء صاحب الدينار ينشد الدينار فقال النبي صلى الله عليه وآله يا علي أد الدينار ومن طريق الخاصة ما رواه الفضيل بن غزوان عن الصادق (ع) قال كنت عنده فقال له الطيار ان حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد انسحق كتابته قال هو له ويحتمل ان يكون الدينار التي طشت كتابته قصرت عن الدرهم وعليه تحمل رواية العامة تذنيب قال بعض الشافعية يحل التقاط السنابل وقت الحصاد ان اذن فيه المالك أو كان قدر ما لا يشق عليه ان يلتقط وإن كان يلتقط بنفسه لو اطلع عليه والا لم يحل مسألة لو التقط ما لا بقاء له مما يفسد بسرعة كالطبايخ والرطب الذي لا يثمر والبقول فإن كان في برية تخير بين ان يبيعه ويأخذ ثمنه فيعرفه وبين ان يتملكه في الحال فيأكل ويغرم قيمته لصاحبها ان وجده لما رواه العامة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال فمن وجد طعاما اكله ولم يعرفه وان وجده في قرية أو بلدة فكذلك عندنا يتخير بين البيع وتعريف الثمن وبين التقويم والتملك والتعريف حولا وقال المزني ان وجده في الصحراء فكذلك وان وجده في القرية أو البلد فقولان أحدهما ليس له الاكل بل يبيعه ويأخذ ثمنه لمالكه لان البيع يتيسر في العمران والثاني انه كما لو وجده في الصحراء لاطلاق الخبر وهو أشهر عند الشافعية ومنهم من قطع به إذا عرفت هذا فإنه إذا أراد بيعه إما في الصحراء أو في العمران فإنه يدفعه إلى الحاكم ليتولى ذلك أو يأذن له فيه لأنه منصوب للمصالح وهذا منها فان تعذر الحاكم تولاه الملتقط وإذا دفعه إلى الحاكم فلا ضمان وعلى أحد قولي الشافعية من عدم جواز الأكل في العمران لو اكل كان عاصيا عندهم وعلى القول الثاني بجواز الاكل فلهم في وجوب التعريف بعده وجهان أصحهما عندهم الوجوب إذا كان في البلد كما أنه لو باع يعرف وإذا كان في الصحراء قال الجويني لا يجب لأنه لا فايدة فيه في الصحراء وعندنا ان تعريف ما بلغ قدر الدرهم واجب سواء كان المأكول في الصحراء أو العمران وإذا اكله وجب عليه القيمة لأنه أتلف مال غيره بغير اذنه ثم بعد الوقوف على المستحق هل يجب افراز القيمة المعروفة للشافعية قولان أظهرهما انه لا يجب لان ما في الذمة لا يخاف هلاكه وإذا أفرز كان المفروز أمانة في يده فربما تلف فما في الذمة احفظ ولان كل موضع جاز له التصرف في اللقطة لا يجب عليه عزل قيمتها كما بعد الحول والثاني انه يجب احتياطا لصاحب المال ليتقدم صاحب المال بتلك القيمة لو أفلس الملتقط ولأنه لو باعها كان الثمن عنده معزولا فكذا إذا اكلها فحينئذ يجب ان يرفع الامر إلى الحاكم ليقبض عن صاحب المال فإن لم يجد حاكما فهل للملتقط السلطنة الالتقاط ان ينيب عنه فيه عند الجويني احتمال وذكر انه إذا افرزها لم يصر ملكا لصاحب المالك لكنه أولي بتملكها لأنه لو كان كذلك لما سقط حقه بهلاك القيمة المفروزة وقد نص الشافعي على السقوط وأيضا نص على أنه إذا مضت مدة التعريف فله ان يتملك تلك القيمة كما يتملك نفس اللقطة وكما يتملك الثمن إذا باع الطعام وهو يقتضي صيرورتها ملكا لصاحب اللقطة
(٢٥٩)