أولي وعندنا ان الجنون لا يوجب الحلول. مسألة: انما يقسم الحاكم أمواله على الديون الحالة خاصة على ما اخترناه من عدم حلول المؤجلة فيبيع أمواله ويقسمها على الحالة بالنسبة ولا يدخر شيئا لأصحاب الديون المؤجلة ولا يدام الحجر بعد القسمة لأصحاب الديون المؤجلة كما لا يحجر بها ابتداء وهو أحد قولي الشافعي وفي الأخر انها تحل الديون المؤجلة فيقسم المال بين أصحاب هذه الديون والديون الحالة ابتداء كما لو مات وإن كان في الديون المؤجلة ما كان ثمن مبيع وهو قائم عند المفلس فلصاحبه الرجوع إلى عين ماله عنده كما لو كان حالا ابتداء وقال بعض الشافعية فائدة الحلول ان لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بايعه ويكون محفوظا إلى مضى المدة فان وجد المفلس وفاء فذلك والا فحينئذ يفسخ وقيل لا يفسخ حينئذ أيضا بل لو باع بثمن مؤجل وحل الاجل ثم أفلس المشتري وحجر عليه فليس للبايع الفسخ والرجوع إلى المبيع لان البيع بالثمن المؤجل يقطع حق البايع عن المبيع بالكلية ولهذا يثبت فيه حق الحبس للبايع والأصح عندهم الأول وقال احمد يكون موقوفا إلى أن يحل الدين فيفسخ البايع ان شاء أو يترك. مسألة: لو اشترى بعد الحجر عليه أمتعة بأثمان مؤجلة أو حالة دخلت في البيع في قضاء الديون كساير أموال المفلس لأنه ملكها بالبيع فكانت كغيرها وليس لبايعها تعلق بها لأنه لا مطالبة له في الحال إن كانت مؤجلة على ما اخترناه من عدم حلول المؤجل بالحجر وهو أصح وجهي الشافعية على القول بعدم الحلول والثاني انها لا تباع فإنها كالمرهونة بحقوق بايعها بل توقف إلى انقضاء الأجل فان انقضى والحجر باق يثبت حق الفسخ وان اطلق فكذلك ولا حاجة إلى إعادة الحجر بل عزلها وانتظار الاجل كابقاء الحجر بالإضافة إلى المبيع وعلى ما اخترناه من جواز بيعها لو لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الاجل فالأقرب جواز الفسخ الان وللشافعية وجهان ولو اشتراها بثمن حال كان لصاحبها الاختصاص أو الضرب بالثمن مع الجهل ومع العلم الصبر ويحتمل الضرب وكذا المقرض ونقل الجويني وجها آخر فيما إذا كان الثمن مؤجلا انه لابد من إعادة الحجر ليثبت حق الفسخ ولو لم يكن عليه الا ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر لم يجابوا وهو أصح وجهي الشافعية لان طلب الحجر فرع طلب الدين وعين تحصيله فلا يتقدم عليه والثاني نعم لانهم يتوسلون به إلى الحلول والمطالبة. مسألة: قد ذكرنا انه يشترط كون الديون زايدة على قدر ماله فلو كانت مساوية والرجل كسوب يتفق من كسبه فلا حجر وان ظهرت امارات الافلاس وقد تقدم ان للشافعي وجهين فيما إذا ظهرت امارات الافلاس الفلس ويجري الوجهان فيما إذا كانت الديون أقل وكان بحيث يغلب على الظن انتهاؤها إلى حد المساواة ومنه إلى الزيادة لكثرة النفقة وهذه الصورة عندهم أولي بالمنع وإذا حجرنا في صورة المساواة فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس الرجوع فيه وجهان أحدهما نعم لاطلاق الحديث والثاني لا لتمكنه من استيفاء الثمن بتمامه وهل تدخل هذه الأعيان في حساب أمواله وأثمانها في حساب ديونه فيه عندهم وجهان وقال بعضهم ان الوجهين مبنيان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة ان لم بثبت الرجوع أدخلت رجاء الوفاء وان أثبتناه فلا وهذا كله ساقط عندنا وقد عرفت مذهبنا فيه وان الحجر انما يثبت مع القصور لا مع المساواة. مسألة يشترط في الحجر التماس الغرماء من الحاكم ذلك وليس للحاكم ان يتولى ذلك من غير طلبهم لأنه حق لهم وهو لمصلحة الغرماء والمفلس وهم ناظرون لأنفسهم لا يحكم الحاكم عليهم نعم لو كانت الديون لمن للحاكم عليه ولاية كان له الحجر لأنه الغريم في الحقيقة فله التماس ذلك من نفسه وفعله كما لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو المحجور عليهم بالسفه وكان وليهم الحاكم تولاه القاضي لمصلحتهم من غير التماس. فروع: أ: لو كان الدين للغياب لم يحجر عليه الحاكم لان الحاكم لا يستوفي ما للغياب في الذمم بل يحفظ أعيان أموالهم. ب: لو التمس بعض الغرماء الحجر دون بعض فإن كانت ديون الملتمسين قدرا يجوز الحجر بها حجر عليه لذلك القدر وأجيبوا إلى ذلك ثم لا يختص الحجر بهم بل يعم اثره الجميع وان لم يكن ديونهم زايدة على أمواله فالأقرب جواز الحجر ولا ينتظر التماس الباقين لئلا يضيع على المتمس ماله بتكامل غيره ويحتمل العدم وهو أظهر الوجهين عند الشافعية. ج: لو لم يلتمس أحد من الغرماء الحجر فالتمسه المفلس فالأقرب عندي جواز الحجر عليه لان في الحجر مصلحة للمفلس كما فيه مصلحة للغرماء وكما أجبنا الغرماء إلى تحصيل ملتمسهم حفظا لحقوقهم كذا يجب ان يجاب المفلس تحصيلا لحقه وهو حفظ أموال الغرماء ليسلم من المطالبة والاثم وإذا تحقق ثبوت غرض للمفلس صحيح في الحجر عليه أجيب إليه وقد روى أن حجر النبي صلى الله عليه وآله على معاذ كان بالتماس من معاذ دون طلب الغرماء وهو أحد وجهي الشافعي والثاني لايجاب المفلس إليه لان الحرية والرشد ينافيان الحجر وانما يصار إلى الحجر إذا حقت طلبه الغرماء. الفصل الثالث: في احكام الحجر. إذا حجر الحاكم على المديون ثبتت احكام أربعة منعه من التصرف في ماله وبيع ماله للقسمة على الديون واختصاص صاحب العين بها وحبسه إلى ثبوت اعساره فهنا مباحث أربعة البحث الأول: في منعه من التصرف. مسألة: يستحب للحاكم الاعلام بالحجر والنداء على المفلس ويشهد الحاكم عليه بأنه قد حجر عليه والاعلان بذلك بحيث لا يستضر معاملوه فإذا حجر عليه منعه من التصرف المبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوض أو غيره سواء ساوى العوض أو قصر والتصرف قسمان إما ان يصادف المال أو لا والأول إما انشاء أو اقرار والأول ضربان ما يصادف المال إما بتحصيل ما ليس بحاصل كالاصطياد والاحتطاب وقبول الوصية وهذا لا يمنع منه اجماعا لان الغرض من الحجر منعه مما يتضرر به الغرماء واما تفويت ما هو حاصل فان تعلق بما بعد الموت كالتدبير والوصية صح فان حصل زيادة على الديون نفذت الوصية والا بطلت وإن كان غير متعلق بالموت فاما ان يكون مورده عين مال أو ما في الذمة واما ان لا يكون تصرفه مصادفا للمال فلابد من البحث عن هذه الأقسام بعون الله تعالى مسألة: كل تصرف للمفلس غير مصادف للمال فإنه لا يمنع مه لكماليته وعدم المانع من التصرف فيما تصرف فيه حيث لم يك مالا وذلك كالنكاح ولا يمنع منه واما مؤنة النكاح فسيأتي انشاء الله تعالى وكذا الطلاق لا يمنع منه لان تصرفه هذا لم يصادف مالا بل هو اسقاط ما يجب عليه من المال فكان أولي بالجواز وإذا صح منه الطلاق مجانا كان صحة الخلع الذي هو في الحقيقة طلاق بعوض أولي بالجواز وكذا يصح منه استيفاء القصاص لأنه ليس تصرفا في المال ولا يجب عليه قبول الدية وان بذل الجاني لان القصاص شرع للتشفي ودفع الفساد والدية انما ثبتت صلحا وليس واجبا عليه تحصيل المال باسقاط حقه وكذا له العفو عن القصاص مجانا بغير عوض إما لو وجبت له الدية بالأصالة كما في جناية الخطأ فإنه ليس له اسقاطها لأنه بمنزلة الابراء من الدين وكذا له استلحاق النسب إذ ليس ذلك تصرفا في المال وان وجبت المؤنة ضمنا وكذا له نفيه باللعان وكذا لا يمنع من تحصيل المال بغير عوض كالاحتطاب وشبهه وقد سلف. مسألة: لو صادف تصرفه عين مال بالاتلاف إما بمعاوضة كالبيع والإجارة أو بغير معاوضة كالهبة والعتق والكتابة أو بالمنع من الانتفاع كالرهن قال الشيخ رحمه الله يبطل تصرفه وهو أصح قولي الشافعي وبه قال مالك والمزني لأنه محجور عليه بحكم الحاكم فوجب ان لا يصح تصرفه كما لو كان سفيها ولان أمواله قد تعلق بها حق الغرماء فأشبهت تعلق المرتهن ولأن هذه التصرفات غير نافذة في الحال اجماعا فلا يكون نافذة فيما بعد لعدم الموجب والقول الثاني للشافعي ان هذه التصرفات لا يقع باطلة في نفسها بل يكون موقوفة فان فضل ما يصرف به عن الدين إما لارتفاع سعر أو لابراء بعض المستحقين نفذ والا بان انه كان لغوا لأنه محجور عليه بحق الغرماء فلا يقع تصرفه باطلا في أصله كالمريض وهذا القول لا بأس به عندي والأول أقوى و الفرق بينه وبين المريض ظاهر فان المريض غير محجور عليه ولهذا لو صرف المال في ملاذه وماكله ومشربه لم يمنع منه بخلاف صورة النزاع. مسألة: ان قلنا ببطلان التصرفات فلا بحث وان قلنا إنها تقع موقوفة فان فضل ما تصرف فيه وانفك الحجر ففي نفوذه للشافعي قولان وإذا لم يف بديونه نقضنا الأخف فالأخف من
(٥٢)