وإليه ينصرف اطلاق الزيارة إما لو استأجر للزيارة من بعد لم يجب الاشراف على الضريح المقدس ولا تدخل صلاة الزيارة فيها بخلاف صلاة الطواف مسألة الأقوى انه يجوز أن يوجر المسلم نفسه للذمي للخدمة لأنه يجوز استيجاره لعمل صنعة وغيرها مما ليس بالخدمة فجاز في الخدمة كالمسلم وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يجوز وعن أحمد روايتان لأنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له واستخدامه فلم يجز كالبيع وذلك أن عقد الإجارة للخدمة يتعين فيه حبسه مدة الإجارة واستخدامه والبيع لا يتعين فيه ذلك وإذا منع منه فلئن يمنع من الإجارة أولي واما ان اجر نفسه منه في عمل معين في الذمة كخياطة ثوب وقصارته جاز بلا خلاف ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم ولا استخدامه فأشبه مبايعته وإن اجر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا وهو ظاهر كلام احمد وعنه رواية أخرى المنع لأنه عقد يتضمن حبس المسلم فأشبه البيع والفرق بينه وبين البيع ظاهر فان البيع اثبات الملك على المسلم وليست الإجارة كذلك مسألة تجوز استجار المسلم غيره للخدمة سواء كان الأجير حرا أو عبدا رجلا أو امرأة بشرط ضبط ما وقعت عليه الإجارة إما بالعمل وإن كان مما ينضبط أو بالزمان كاليوم والشهر والسنة وإذا ضبط بالزمان بنى على العادة في الخدمة من أمثال الأجير لأمثال المستأجر وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي واحمد وأبو ثور لأنه يجوز النيابة فيه ولا يختص عامله بكونه من أهل القربة فإذا استأجره ليخدمه شهرا انصرف الاطلاق إلى ما جرت العادة به من التردد في الحوايج والشراء من السوق وحمل ما يشتريه من المأكول وشبهه إليه والمضى إلى القرايا وغير ذلك وإذا استأجره للعمل مدة كان زمان الطهارة والصلاة المفروضة مستثنى ولا ينقص من الأجرة شئ إما النوافل الراتبة فالأقوى انها ليست مستثناة خلافا للشافعية وليس له ان يتطوع بالركعتين الا بإذن المستأجر وقال احمد يجوز ما لم يضر بصاحبه وقال أبو ثور وابن المنذر ليس له منعه منهما ولا فرق بين صلاة الجمعة وغيرها في الاستثناء وبه قال بعض الشافعية لان الجمعة مفروضة فأشبهت الفرايض اليومية في الاستثناء ولقول الصادق (ع) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعمل أجيرا حتى يعلمه ما اجره ومن استأجر أجيرا ثم حبسه عن الجمعة تبوء بإثمه وإن هو لم يحبسه اشتركا في الاجر وجوز ابن شريح من الشافعية انه يجوز له ترك الجمعة بهذا السبب وهو غلط لعموم الامر بصلاة الجمعة كغيرها من الفرايض وإذا استأجر الذمي كانت أيام السبوت مستثناة مسألة قد بينا انه يجوز استيجار المرأة للخدمة سواء كانت حسناء أو قبيحة المنظر وسواء كانت عجوزة أو شابة وسواء كانت أجنبية أو قريبة وسواء كانت حرة أو أمة لكن لا يجوز النظر إليها إن كانت أجنبية بل يصرف وجهه عن النظر ولا يخلو معها في بيت لئلا تغزيه؟ الشهوة ولا ينظر إليها مجردة ولا إلى شعرها لان حكم النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها وكل موضع يفرق فيه بين الحرة والأمة قبل الإجارة يفرق فيه بعدها وما لا فلا مسألة يجوز الاستيجار لحفر الأبار والقنى والنهران والسواقي ولا نعلم فيه خلافا لأنها منفعة معلومة مقصودة محللة يجوز ان يتطوع بها الرجل على غيره فجازت المعاوضة عليها واخذ الأجرة فيه كالخياطة والخدمة ولا بد من تقدير الفعل لها بالمدة أو بالعمل المعين فإن قدر بالزمان قال استأجرتك شهرا لتحفر لي بئرا أو ساقية أو شبهها ولا يحتاج إلى معرفة القدر وعليه ان يحفر ذلك النهر والأقرب انه لابد من مشاهدة الأرض التي يحفر فيها لان الأغراض يختلف بذلك باعتبار اختلاف الأراضي في الصلابة والرخاء فيحصل الاختلاف بالصعوبة والسهولة وقال بعض العامة لا يشترط لعدم الاختلاف وإن قدره بالعمل افتقر إلى مشاهدة الموضع لاختلاف المواضع بالسهولة والصلابة ولا يمكن ضبط ذلك بالصفة ويجب ان يعرف قدر البئر دورها وعمقها وطول النهر وعمقه وعرضه لان العمل يختلف بذلك وإذا حفر البئر أو النهر وجب اخراج التراب منها لأنه لا يمكنه الحفر إلا بذلك فقد تضمنه العقد وإن انهار شئ من جوانب البئر أو سقط فيه حجر أو دابة أو ما أشبه ذلك لم يكن على الحافر ازالته وكان على صاحب البئر رفعه لأنه سقط فيها من ملكه ولم يتضمن عقد الإجارة اخراجه وإن انتهى إلى موضع صلب أو حجارة أو شجرة تمنع الحفر لم يلزمه حفره لان ذلك مخالف لما شاهده من الأرض وإنما اعتبرنا مشاهدة الأرض لأنها يختلف فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ فإذا فسخ كان له من الأجرة بحصة ما عمل فيسقط الأجرة على ما بقى وما عمل فيقال كم اجر ما عمل وكم اجر ما بقى فيقسط المسمى عليهما وهو قول بعض الشافعية وقال بعضهم ينظر إن كان المعول يعمل فيه وجب حفره وهو أظهر الوجهين عندهم ولو لم يعمل فيه المعول أو نبع الماء قبل أن ينتهي إلى القدر المشروط وتعذر الحفر انفسخ العقد في الباقي ولا ينفسخ فيما مضى وهو أصح وجهي الشافعية ولا يجوز تقسيط على عدد الأذرع لان أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه وقد روي علماؤنا عن الصادق (ع) رواية في سندها ضعف ان الرفاعي سأله عن رجل قبل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشر دراهم فحفر له قامة ثم عجز قال يقسم عشرة على خمسة وخمسين جزا فما أصاب واحد فهو للقامة الأولى والاثنين للثانية والثلاثة للثالثة وعلى هذا الحساب إلى عشرة ولما كانت الرواية ضعيفة السند وجب العدول إلى التقسيط الذي تقدم مسألة قد بينا ان الدفن واجب على الكفاية للميت المسلم ومن هو بحكمه فلا يجوز الإجارة عليه الا على المستحب فيه من النزول إلى قدر القامة أو الترقوة من اللحد أو الشق وقال الشافعي إذ استأجر لحفر القبر وجب مشاهدة الموضع وإن يعين الطول والغرض والعمق ولا يكفي الاطلاق خلافا لأبي حنيفة وإذا حفره ودفن الميت لم يجب رد التراب بعد وضع الميت فيه خلافا لأبي حنيفة أيضا وهذا يتأتي على مذهبنا فيمن يستأجر لدفن الميت غير المسلم مسألة يجوز الاستيجار لضرب اللبن لما قلناه من أنه فايدة مقصودة معينة مباحة ويجوز التقدير فيها بالزمان وبالعمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى ذكر عدده وذكر قالبه فإن كان القالب معروفا فذاك والا يبين طوله وعرضه وسمكه كالمكيال إن كان معروفا لم يحتج إلى ذكر مقداره وإلا احتيج ولا يكفي مشاهدة الغالب في غير المعهود لما فيه من الغرر فإنه يجوز تلف القالب ولا يمكن رجوعهما إلى شئ اخر فلم يصح كما لو أسلم في طعام وشرط مكيالا بعينه وقال بعض الشافعية انه يكفي مشاهدة القالب وليس بشئ لما بيناه ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه لتفاوت المواضع في التعب أو الراحة فقد يكون الماء قريبا أو بعيدا وقد يحتاج إلى نقل التراب من خارج وإن قدره بالزمان لم يحتج إلى بيان ذلك ولا يجب عليه اقامتها حتى تجف الا ان يشترط ذلك وبه قال الشافعي خلافا لأبي حنيفة ويجوز الاستيجار لطبخ اللبن ويجرى فيه على العادة فإذا طبخه لم يجب عليه اخراجه من الاتون إلا مع الشرط وبه قال الشافعي خلافا لأبي حنيفة مسألة يجوز الاستيجار للبناء لأنه عمل محلل مقصود ويقدر إما بالزمان أو بالعمل فإن قدر بالعمل وجب معرفة موضعه لأنه يختلف بقرب الماء وبعده وسهولة التراب وصعوبته ويجب ذكر الابعاد الثلاثة الطول والعرض والسمك وآلة البناء من لبن وطين أو حجر وطين أو جص وآجر أو غير ذلك ولو استأجره لبناء الف في حايط أو استأجره يبني فيه يوما فعمل ما استأجره عليه ثم سقط الحايط لم يسقط من اجره شئ إذا لم يفرط في بنائه وإن فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط عليه اعادته وغرامة ما تلف به ولو قال ادفع لي في هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه ثم سقط فعليه إعادة ما وقع واتمام ما وقعت الإجارة عليه من الذرع وكذا يجوز الاستيجار لتطيين السطوح والحيطان وتجصيصها ويقدر بالزمان ولا يجوز على عمل معين لان الطين يختلف بالرقة والثخن وارض السطح يختلف فبعضها عال وبعضها نازل
(٣٠٣)