مثلا إذا ورد عام أو مطلق على أن الكذب حرام أو كل كذب حرام، فلا شبهة أن متعلق الحرمة هنا هو الفعل الخاص الصادر من المكلف، وأنه يتقدر بالزمان بحيث إن الكذب الصادر منه في هذا الزمان غير الكذب الصادر منه في زمان قبله، كما أنه غير الكذب الصادر منه في زمان بعده، فيكون كل كذب بحسب طول الزمان وعرضه فردا مغايرا للأفراد الأخر، فحيث إن الاهمال في الواقع محال فلا بد وأن يكون الحكم فيه إما مطلقا أو مقيدا، فحيث لم يقيد الخطاب في مقام الاثبات مع كونه في مقام البيان، فحسب تبعية مقام الثبوت لمقام الاثبات من حيث الاطلاق والتقييد فنكشف الاطلاق في مقام الثبوت أيضا كما هو واضح.
وعلى هذا فإذا خرج فرد من أفراد الكذب عن تحت الاطلاق أو العموم فإنه لا شبهة في جواز التمسك بالعموم أو الاطلاق في الأفراد الأخر، فلا مجال بوجه لتوهم جريان الاستصحاب فيه، وكذلك إذا ورد النهي عن شرب الخمر، فإن مقتضى الاطلاق حرمة الشرب كان من أفراد العرضية والطولية، فإذا خرج فرد من تحته نتمسك في الباقي بالاطلاق كما هو واضح، إلا لوحظ الحكم بعنوان العام المجموعي أي يكون الحكم الواحد ثابتا للأفراد بين المبدأ والمنتهى، من غير أن يكون لكل فرد حكم واحد.
وكذلك الكلام في الأحكام الوجوبية، سواء كانت استغراقية أم مجموعية ثم ورد مخصص، فإنه يرجع في الأفراد الباقية العام والمطلق، أما في الاستغراقي فواضح، وأما في المجموعي فأيضا كذلك، كما إذا قال: أكرم هؤلاء العشرة ثم أخرج واحدا، فإنه لا محالة يمنع عن التمسك بالعام في التسعة الباقية.