وفيه أنه بعد ما تم بناء العقلاء على عدم جواز رجوع كل من المتبايعين على الآخر وصار بناؤهم على صيرورة كل منهما أجنبيا عن ماله بعد تمامية العقد، فكما لا ينافي ذلك ثبوت خيار المجلس أو الحيوان في أول البيع لكونه تخصيصا للقاعدة الثانية ببناء العقلاء، فكذلك لا ينافيه ثبوت الجواز الحكمي لعقد الهبة، فإنه أيضا يكون تخصيصا للقاعدة.
ولا يفرق في ذلك بين كون الجواز من الحقوق أو من الأحكام، وإنما يظهر الفرق بينهما من حيث امكان الاسقاط وعدمه، فإن الجواز في الهبة لا ينفك عنها ولو أسقطه الواهب ألف مرة، فإنه بعد ذلك أيضا بالخيار، وهذا بخلاف الجواز الحقي، فإنه يسقط بالاسقاط كما عرفته في أول البيع.
وأما الأصل بمعنى الاستصحاب، فهو إنما يتم إذا شك في لزوم عقد وجوازه، بعد احراز أنه تحقق لازما وثبت اللزوم له ولو في آن قبل الشك، فإنه حينئذ لا بأس بالتمسك للاستصحاب لاثبات اللزوم، وأما إذا كان العقد حين التحقق جائزا ولم يطرء عليه اللزوم بعده ثم شككنا في جوازه ولزومه فحينئذ نستصحب الجواز فيثبت عكس المقصود، على أن الاستصحاب إنما يتم في الشبهات الموضوعية وأما الشبهات الحكمية فقد حققنا في محله أنه لا يجري فيها الاستصحاب لكونه مبتلى بالمعارضة دائما (1).
وعليه فإذا شككنا في أن عقد السبق والرماية جائز أو لازم فلا يمكن احراز اللزوم فيه بالاستصحاب كما هو واضح.