الدليل السادس: آية الوفاء بالعقود واستدل له (1) بقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) وقد مر (3) بعض الكلام فيه، ولا نعيد إلا التنبيه على أمر، وهو أن الوفاء - كما مر (4) - عبارة عن العمل بمقتضى العقد أو العهد ونحوهما، ولا يكون إبقاء العقد وفاء به عرفا، ولهذا لو ترك العمل بمقتضاه يقال: «ما وفى بعقده مطلقا» ولا يقال: «وفى به من حيث عدم الفسخ».
وبعبارة أخرى: إن المنظور إليه ليس العقد إبقاء وإزالة في وجوب الوفاء، بل المنظور إليه مفاد العقد ومقتضاه، ولا شبهة في أن مقتضى العقود والعهود مختلف، فالعهد على عمل مقتضاه لزوم إتيانه، والوفاء به هو العمل.
والبيع وإن كان مقتضاه الأولي هو التمليك، لكن الوفاء به عرفا عبارة عن تسليم المبيع لا في الجملة، بل مع البقاء عليه، فمن لم يسلم مطلقا أو سلمه ورجع إليه بعنوان استرجاع المبيع، لم يكن موفيا بعقده.
ففي المعاطاة كان الوفاء في السلف معاطاة بإعطاء المبيع في وقته، والبقاء عليه، وعدم الاسترجاع بعنوانه، وبإعطاء الثمن في النسيئة كذلك، وفيما كان التعاطي من الطرفين يكون الوفاء بعدم الاسترجاع، وإبقاء مقتضى المعاملة.
فتحصل من ذلك: أن الوجوب تعلق بالوفاء بالعقود; أي العمل على مقتضاها حسب اختلاف المقتضيات، لا بإبقائها وعدم فسخها.