أدلة صحة المعاطاة الدليل الأول: السيرة العقلائية فنقول: تدل على صحتها السيرة المستمرة العقلائية، من لدن تحقق التمدن والاحتياج إلى المبادلات إلى زماننا، بل الظاهر أن البيع معاطاة أقدم زمانا وأوسع نطاقا من البيع بالصيغة.
فلا تنبغي الشبهة في أن البشر في أول تمدنه واحتياجه إلى التبادلات، كان يبادل الأجناس بالأجناس، من غير إنشاء المعاملات باللفظ أو الالتزام بإيقاعها به، وكان الأمر كذلك في جميع الأعصار، سواء كانت المعاملة بين الأجناس، أو بينها وبين الأثمان في زمان تعارفها ورواجها، وكانت الأسواق في كل أمة جارية على المعاطاة، وقلما يتفق الإنشاء اللفظي في إيقاع نفس المعاملة، وإن كان التقاول قبل إيقاعها متعارفا.
وقد كانت متعارفة في عصر النبوة وبعده بلا شبهة، فلو كانت غير صحيحة لدى الشارع، أو غير مفيدة للملكية - مع بناء العقلاء عليها، ومعاملة الملكية مع المأخوذ بها مطلقا - لكان عليهم البيان القابل للردع، ومعه كان اشتهاره كالشمس في رائعة النهار; لأن ردعها موجب لتغيير أسواق المسلمين في المعاملات كما هو واضح.