التقريبات الثلاثة لإثبات اللزوم فحينئذ نقول: يمكن تقريب دلالة الآية الكريمة على اللزوم:
تارة بأن يقال: إن إيجاب الوفاء والإلزام بالعمل على مقتضاها كناية عن لزوم العقد، وإنما أمر به إرشادا إلى ملزومه; بمعنى أنه أنشئ بهذا الكلام اللزوم للعقود، كما في الإخبار عن الملزوم بإلقاء اللازم في الكنايات، فكما أن قوله:
«فلان كثير الرماد» إخبار عن جوده الملزوم له عادة، يكون قوله: (أوفوا بالعقود) كناية عن جعل اللزوم للعقود; لأن لزوم العمل بمقتضى العقد ملازم عرفا لخروج زمامه عن يد المتبايعين، وإلا فمع كون زمامه بيدهما - إبقاء وإزالة - لم يكونا ملزمين بالعمل بمقتضاه.
فمن كان له عدم العمل على مقتضى عقده بمجرد إنشاء كلمة، لا يكون ملزما بالعمل على طبق عقده، فقوله: (أوفوا بالعقود) من قبيل إلقاء اللازم وإرادة الملزوم، كسائر الكنايات.
وأخرى بأن يقال: إن إيجاب العمل والوفاء بالعقود إلزام نحو إلزامات العقلاء لا إيجاب تعبدي متعلق بعنوان «الوفاء» حتى يكون المتخلف عن العمل بالعقود مستحقا لعقابين; أحدهما: على غصب مال الغير، والثاني: على عدم الوفاء بعقده; فإنه بعيد، فيكون قوله ذلك نظير إلزام العقلاء، أو نظير إلزام العقل برد مال الغير إلى صاحبه، إن قلنا: بعدم وجوبه شرعا، وإنما غصبه وحبسه محرم، لا رده واجب، ولازم هذا الإلزام والإيجاب لزوم العقد بالتقريب المتقدم.
والفرق بينهما: أن في التقريب الأول جعل اللازم كناية عن ملزومه وإرشادا إليه، وفي الثاني يكون الإلزام ثابتا للازم، ويثبت اللزوم بالملازمة; لعدم الانفكاك بين لزوم العمل بالمقتضى، ولزوم العقد، أو للتنافي بين لزوم العمل وجواز العقد.