تقرير دلالة الآية على اللزوم بوجهين آخرين ويمكن أن تقرر الدلالة على اللزوم بوجه آخر، وهو أن وجوب الوفاء مقتض لحرمة نقضه ونكثه، والأمر بالشيء وإن لم يقتض النهي عن نقيضه عقلا، فضلا عن الضد الذي كالنقيض، لكن لا يمكن إنكار الاقتضاء عرفا; بمعنى أن لازم جعل الوجوب عرفا تحريم النقض.
ثم إن حرمته تختلف عرفا بحسب اختلاف الموضوعات، فحرمة نقض العهد استعملت في معناها، وهو المنع، لكنها تفيد التكليف عرفا إن كان متعلقها أمرا نفسيا، كحبس المبيع، وعدم تسليمه، واسترجاعه، والوضع إن كان المتعلق مناسبا له كالفسخ، فكما أن النهي عن البيع ظاهر في الإرشاد إلى الفساد، كذلك النهي عن الفسخ، من غير استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وسر الحمل على الوضع هو السر في حمل النواهي المتعلقة بالمعاملات عليه.
وبالجملة: (أوفوا بالعقود) يفيد تحريم النقض، وتحريم الفسخ ظاهر في سلب تأثيره.
ثم إن هذا الوجه إنما يصح إن قلنا: بأن الوفاء أعم من إبقاء العقد، والعمل على سائر مقتضياته; من تسليم العوضين، وعدم الاسترجاع، دون ما لو قلنا:
باختصاصه بإبقائه; بدعوى أنه مقتضاه لا غير كما قيل (1).
أو قلنا باختصاصه بغيره من الآثار; بدعوى أن الوفاء عرفا هو العمل على مقتضاه; من التسليم ونحوه، وإبقاؤه ليس من مقتضياته عرفا كما قويناه (2).