ثم بعد سنين عديدة قال: «أكرم العلماء كلما جاؤوك» لا يمكن ترك إكرام غير العلماء المذكورين قبله; باعتذار احتمال كون المراد بالعموم المعهود.
والتحقيق: أن العام حجة ظاهرة عند العقلاء، لا بد في رفع اليد عنها من ثبوت القرينة أو ما يصلح للقرينية; بنحو يتكل عليها العقلاء، وهي غير ثابتة في المقام، بل الثابت خلافها.
والعجب من المستشكل; حيث مثل بمثال ظاهر في العهد، وقاس المقام به، مع أن في ثبوت نزول المائدة بجميع آياتها في آخر عمره الشريف كلاما، وإن كان وردت به رواية (1).
مضافا إلى إمكان أن يقال: إن كون المائدة آخر ما نزلت مؤيد للعموم ومؤكد له; لأن الوحي لما كان منقطعا بعدها، فلا بد من تقنين قوانين كلية، يرجع إليها البشر في سائر الأدوار إلى آخر الأبد، فتنزيل آية مجملة لا يصحح الاتكال عليها في شئ من الموارد والحوائج في آخر العهد وآخر الوصية، والتقنين لا ينبغي احتماله.
مع أن ما ذكره (2) مبني على أن جميع المحرمات والواجبات التكليفية داخلة في مفهوم «العقد» وهو ضعيف كما تقدم (3) فحينئذ بقي بعض المعاملات التي ورد تنفيذها في الكتاب، ومن البعيد جدا أن يراد بذلك العموم خصوص تلك المعاملات.
إلا أن يقال: أريد بالعقود ما ذكر في الكتاب وما أنفذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو بالسكوت، وهو أبعد، وكيف كان: لا وقع لهذا الإشكال رأسا.