الأول: أنه وإن كان مقتضى الجمع المحلى باللام كونه مفيدا للعموم، ولكن يخدشه في الآية أمران:
أحدهما: أنا قد ذكرنا في كتبنا الأصولية (1): أن الثابت من أصالة الحقيقة إنما هو إذا لم يقترن بالكلام - حين التكلم به - ما يوجب الظن بعدم إرادة الحقيقة، أي لم يقترن به ما يظن كونه قرينة للصرف عن الحقيقة، بل لم يقترن ما يصلح لكونه قرينة.
ومما لا شك فيه: أن تقدم طلب بعض أفراد الماهية أو الجمع المحلى على الطلب (2) باللفظ الدال على الماهية، أو بالجمع (3)، مما يظن معه إرادة الأفراد المتقدمة، ولا أقل من صلاحية كونه قرينة لإرادتها، ألا ترى أنه إذا قال مولى - في داره عشرون بيتا، وله عشرون ثوبا - لعبده: اكنس كل يوم البيت الفلاني، والفلاني، والفلاني، إلى خمسة بيوت مثلا، واغسل كل يوم الثوب الفلاني، والفلاني، إلى خمسة أثواب، ثم قال له في يوم: اكنس البيوت واغسل الثياب، ثم اذهب إلى السوق، يظن، بل يفهم إرادة البيوت والثياب المعهودة، دون العموم.
وعلى هذا فنقول: إن تلك الآية في سورة المائدة، وهي على ما ذكره المفسرون آخر السور المنزلة (4) في أواخر عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (5)، ولا شك أن قبل نزولها قد علم من الشارع وجوب الوفاء بطائفة جمة من العقود، كالعقود التي بين الله سبحانه وبين عباده، من الإيمان به وبرسله وكتبه، والإتيان بالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وغيرها، بل بعض العقود التي بين الناس بعضهم مع