والثاني انه يقبل وبناه على اختلاف قوليه في العبد إذا أقر بالسرقة هذا ان قلنا لا يقبل اقراره بدين الاتلاف فان قبلناه فأولى ان يقبل هنا مسألة إذا أقر السفيه بما يوجب القصاص فعفى المقر له على مال لم يثبت عندنا لان موجب العمد القصاص لا غير والدية انما يثبت بالصلح أما من يقول إن موجب العمد أحد الامرين إما الدية أو القصاص فيحتمل ثبوت الدية وبه قال الشافعي لان المال تعلق ثبوته باختيار الغير لا باقرار السفيه ولأنه عفو على مال عن قصاص ثابت فصح كما لو ثبت بالبينة والأقوى ما قلناه ولأنه لو صح لاتخذ ذلك وسيلة إلى الاقرار بالمال بان يتواطأ المحجور عليه والمقر له على الاقرار والعفو عنه إلى مال ولان وجوب المال مستند إلى اقراره فلم يثبت كالاقرار به ابتداء فعلى هذا القول الذي اخترناه لا يسقط القصاص ولا يجب المال في الحال مسألة لو أقر السفيه بنسب صحيح صح وثبت النسب لانتفاء المانع وهو مصادفة الاقرار المال ولو وجب الانفاق على المقر به أنفق عليه من بيت المال وقال بعض العامة يثبت احكام النسب كما يثبت النسب من وجوب النفقة وغيرها لكون ذلك حصل ضمنا فأشبه نفقه الزوجة والوجه ما قلناه مسألة إذا أقر السفيه بدين أو بما يوجب المال كجناية الخطاء وشبه العمد واتلاف المال وغصبه لم يقبل اقراره به لأنه محجور عليه لحظه فلم يصح اقراره كالصبي والمجنون ولانا لو قبلنا اقراره في ماله لزال معنى الحجر لأنه يقر به فيأخذه المقر له ولأنه أقر بما هو ممنوع من التصرف فيه فلم ينفذ كاقرار الراهن بالرهن ولا فرق بين ان يسنده إلى ما قبل الحجر أو إلى ما بعده وهو قول أكثر الشافعية واحمد في إحدى الروايتين وللشافعية قول اخر انه إذا أسند اقراره إلى ما قبل الحجر قبل تخريجا من الخلاف في أن المفلس إذا أقر بدين سابق على الحجر هل يزاحم المقر له الغرماء وللشافعية فيما إذا أقر باتلاف أو جناية توجب المال قولان أصحهما الرد كما لو أقر بدين معاملي والثاني القبول لأنه لو أنشأ الغصب والاتلاف يضمن فإذا أقر به يقبل مسألة إذا أقر السفيه بالمال وقد كان حجر عليه الحاكم فقد قلنا إنه لا يقبل وان لم يكن قد حجر عليه قبل لعدم المانع كما أنه لا يمنع من البيع والشراء وغيرهما الا بالحجر وإذا أقر بالمال بعد الحجر لم ينفذ في الحال وهل يلزمه حكم اقراره بعد فك الحجر عنه الوجه انه لا يلزمه بل يرد كما رددناه حالة السفه لأنه محجور عليه لعدم رشده فلم يلزمه حكم اقراره بعد فك الحجر عنه كالصبي والمجنون ولان المنع من نفوذ اقراره في الحال انما ثبت لحفظ ماله عليه ودفع الضرر عنه ولو نفذ بعد فك الحجر لم يفد إلا تأخر الضرر عليه إلى أكمل حالتيه بخلاف المحجور عليه للفلس فان المانع تعلق حق الغرماء بماله فيزول المانع بزوال الحق عن ماله فيثبت مقتضى اقراره وفي مسئلتنا انتفى الحكم لانتفاء سببه فلم يثبت كونه سببا وبزوال الحجر لم يكمل السبب ولا يثبت الحكم باختلال السبب كما لم يثبت قبل فك الحجر ولان الحجر حق الغرماء لا يمنع تصرفهم فأمكن تصحيح اقرارهم على وجه لا يضر بذلك الغير بان يلزمهم بعد زوال حق الغير والحجر هنا ثبت لحفظ نفسه من أجل ضعف عقله وسوء تصرفه ولا يندفع الضرر الا بابطال اقراره بالكلية كالصبي والمجنون وهو قول الشافعي وقال أبو ثور انه يلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه لأنه مكلف أقر بمال فيلزمه لقوله (ع) اقرار العقلاء على أنفسهم جايز منع من امضائه في الحال بسبب الحجر فيمضي بعد فك الحجر عنه كالعبد يقر بدين والراهن يقر على الرهن والمفلس وقد سبق الفرق مسألة هذا حكم تكليفنا في الظاهر أما حكمه فيما بينه وبين الله تعالى فان علم بصحة ما أقر به كدين لزمه وجناية لزمته ومال لزمه قبل الحجر عليه فيجب عليه أداؤه بعد فك الحجر عنه لأنه حق ثابت عليه فلزمه أداؤه كما لو لم يقر به وان علم فساد اقراره مثل ان يقر بدين ولا شئ عليه أو أقر بجناية ولم يوجد منه لم يلزمه أداؤه لأنه يعلم أنه لا دين عليه فلم يلزمه شئ كما لو لم يقر به وكذا لا يجب عليه الأداء فيما أتلفه بدفع صاحب المال إليه وتسليطه عليه بالبيع وشبهه تذنيب لو ادعى عليه شخص بدين معاملة لزمه قبل الحجر فأقام عليه البينة سمعت وحكم عليه بمقتضى الشهادة وان لم يكن بينة فان قلنا إن النكول ورد اليمين كالبينة سمعت دعواه وان قلنا كالاقرار لم يسمع لان غايته أن يقر واقراره غير مقبول مسألة إذا طلق السفيه نفذ طلاقه سواء طلق قبل الحجر عليه أو بعده في قول عامة أهل العلم لأنه لا يدخل تحت حجر الولي وتصرفه ولهذا لا يطلق الولي أصلا بل المحجور عليه يطلق بنفسه إذا كان مكلفا كالعبد ولان الحجر انما يثبت عليه لابقاء ماله عليه والبضع ليس بمال ولا هو جار مجرى الأموال ولهذا لا ينتقل إلى الورثة ولا يمنع المريض من إزالة الملك عنه ولأنه ليس بتصرف في المال فصح وقوعه منه كالاقرار بالحد والقصاص ولا يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال وهذا يقتضي ان البضع لا يجري مجرى المال ولأنه مكلف طلق مختارا فوجب ان ينفذ كالعبد والمكاتب وقال ابن أبي ليلى لا يقع طلاقه لان البضع يجري مجرى المال بدليل انه يملك بمال ويصح ان يزول ملكه عنه بمال فلم يملك التصرف فيه كالمال وقد سلف بطلانه مسألة يصح الخلع من السفيه لأنه إذا صح منه الطلاق مجانا من غير مقابلة بشئ فصحة الخلع الذي هو طلاق بعوض أولى إذا ثبت هذا فان مال الخلع لا يدفع إليه وان دفع إليه لم يصح قبضه وان أتلفه لم يضمنه ولم تبرا المرأة بدفعه إليه وهو من ضمانها ان أتلفه أو تلف في يده لأنها سلطنة على إتلافه وهل يشترط في خلعه أن يخالع بمهر المثل أو أزيد اشكال ينشأ من أنه يصح الطلاق بغير شئ البتة فمهما كان من العوض يكون أولى ومن أنه يجري مجرى المعاوضة فلا يجوز بدون مهر المثل كالبيع بدون ثمن المثل وكذا يصح منه الظهار ويكفر بالصوم ويصح منه الرجعة لأنها ليست ابتداء نكاح بل تمسك بالعقد السابق ويصح منه نفي النسب باللعان وما أشبه ذلك لأن هذه لا تعلق لها بالمال ولو كان السفيه مطلاقا مع حاجته إلى النكاح فتسري بجارية فإن تبرم بها أبدلت له مسألة قد بينا أن عتق السفيه غير نافذ لأنه اتلاف للمال وتصرف فيه بغير عوض فلا يصح ولأنه إذا منع من البيع الذي هو إخراج ملكه عن العين بعوض يساويها أو يزيد عليها فمنعه عن العتق أولى فإن أعتق لم يصح ولا يلزمه حكمه بعد رفع الحجر عنه وبه قال الشافعي والحكم واحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى انه يصح عتقه معجلا لأنه عتق من مكلف مالك تام الملك فصح كعتق الراهن والمفلس والفرق ظاهر لان المفلس والراهن حجر عليهما لحق غيرهما مع انا نمنع الحكم في الأصل ولأنه تبرع فلم ينفذ كهبته ووقفه ولأنه محجور عليه لحفظه فلم يصح عتقه كالصبي والمجنون مسألة الأقوى انه لا يصح عقد النكاح مستقلا بل يشترط اذن الولي في النكاح وبه قال الشافعي وأبو ثور لأنه تصرف يتضمن المال وهو الالتزام بالصداق فكان ممنوعا منه لتعلقه بالمال ولأنه يجري مجرى المعاوضة المالية فمنع منه كالبيع وقال أبو حنيفة واحمد يصح منه الاستقلال بالنكاح وان منعه الولي لحاجته إليه ولأنه عقد غير مالي فصح منه كخلعه وطلاقه وان لزم منه المال فحصوله بطريق الضمن ولا يمنع من العقد كما لو لزم ذلك من الطلاق ويمنع من كونه غير مالي لان التصرف في المال ممنوع منه سواء كان بطريق الأصالة أو الضمن ولهذا أوجبنا نفقة الولد الذي أقر به في بيت المال وأثبتنا النسب مسألة لا يصح تدبير السفيه ولا وصيته بالتبرعات لأنه تصرف في المال فلم ينفذ منه كغيرهما من التصرفات المالية وقال احمد يصحان لان ذلك محض مصلحة لأنه يقرب إلى الله تعالى ويمنع صلاحية التقرب للنفوذ فان صدقته ووقفه لا ينفذان وان تقرب بهما إلى الله تعالى ويصح منه الاستيلاد ويعتق الأمة المستولدة بمؤنة (بموته) لأنه إذا صح ذلك من المجنون فصحته من السفيه العاقل أولى وله المطالبة بالقصاص لأنه موضوع للتشفي والانتقام وله العفو على مال لأنه تحصيل للمال وليس تضييعا له وإذا ثبت المال لم يكن له التصرف فيه بل يقبضه الولي وان عفى على غير مال صح عندنا لان الواجب
(٧٩)