لان الوديعة لا تضمن ولو لم يوجد المقترض بهذه الصفة أودعه من ثقة امين فهو أولى من السفر به لأنه موضع الحاجة والضرورة ولو أودعه من الثقة مع وجود المقترض الملي المأمون لم يكن مفرطا ولا ضمان عليه فإنه قد يكون الايداع أنفع له من القرض وهو أضعف وجهي الشافعية وأصحهما عندهم انه لا يجوز ايداعه مع امكان الاقراض فان فعل ضمن وكل موضع جاز له ان يقرضه فيه فإنه يشترط ان يكون المقترض مليا أمينا ليأمن جحوده وتعذر الايفاء فان تمكن من الارتهان ارتهن وان تعذر جاز من غير رهن لأن الظاهر ممن يستقرض من أجل حظ اليتيم انه لا يبذل رهنا فاشتراط الرهن تفويت لهذا الحظ ويشترط فيمن يودع عنده الأمانة وفي المقترض الأمانة واليسار معا فان أودع أو اقرض من غير الثقة ضمن مسألة لو اخذ انسان من ولي اليتيم مالا وتصرف في بعضه بغير اذنه ثم أيسر بعد ذلك كان عليه رد المال إلى الولي أو إلى الطفل إن كان قد بلغ رشيدا ويجوز إذا دفعه إلى الطفل ان لا يشعره بالحال وان يدفعه إليه موهما له انه على وجه الصلة لان الغرض والمقصود بالذات ايصال الحق إلى مستحقه لما رواه عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح عن الكاظم (ع) في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتام فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها ولا يعلم الذي كان عنده المال الأيتام انه اخذ من أموالهم شيئا ثم ييسر بعد ذلك اي ذلك خير له أيعطيه الذي كان في يده أم يدفعه إلى اليتيم وقد بلغ وهل يجزيه ان يدفعه إلى صاحبه على وجه الصلة ولا يعلمه انه اخذ له مالا فقال يجزيه أي ذلك فعل إذا أوصله إلى صاحبه فان هذا من السرائر إذا كان من بيته ان شاء رده إلى اليتيم إن كان قد بلغ على أي وجه شاء وان لم يعلمه انه كان قبض له شيئا وان شاء رده إلى الذي كان في يده وقال إذا كان صاحب المال غايبا فليدفعه إلى الذي كان له المال في يده مسألة ومن كان عنده مال لأيتام فهلك الأيتام قبل دفع المال إليهم فيصالحه وارثهم على البعض حل له ذلك وبرئت ذمته من جميع المال مع اعلام الوارث لما رواه عبد الرحمان بن الحجاج وداود بن فرقد جميعا عن الصادق (ع) قالا سألناه عن الرجل يكون عنده المال لأيتام فلا يعطيهم حتى يهلكوا فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضا ويدع بعضا ويبرئه مما كان له أيبرأ منه قال نعم مسألة يجب على الولي الانفاق على من يليه بالمعروف ولا يجوز له التقتير عليه في الغاية ولا الاسراف في النفقة بل يكون في ذلك مقتصدا ويجري الطفل على عادته وقواعد أمثاله من نظرائه فإن كان من أهل الاحتشام أطعمه وكساه ما يليق بأمثاله من المطعوم والملبوس وكذا إن كان من أهل الفاقة والضرورة أنفق عليه نفقة أمثاله فان ادعى الولي الانفاق بالمعروف على الصبي أو على عقاره أو ماله أو دوابه إن كان ذا دواب فإن كان أبا أو جدا كان القول قولهما فيه الا ان يقيم الصبي البينة بخلافه فان ادعى الصبي بعد البلوغ خلاف ذلك كان القول قول الأب أو الجد للأب مع يمينه الا ان يكون مع الابن بينة وإن كان وصيا أو أمينا قبل قوله فيه مع اليمين ولا يكلفان البينة أيضا وهو أصح قولي الشافعية لتعذر إقامة البينة على ذلك وفي الأخر لا يقبل الا بالبينة كالبيع لا يقبل قولهما الا ببينة والفرق عدم تعذر إقامة البينة على البيع لأن الظاهر من حال العدل الصدق وهو امين عليه فكان القول قوله مع اليمين ولو ادعى خلاف ما يقتضيه العادة فهو زيادة على المعروف ويكون ضامنا وكذا لو ادعى تلف شئ من ماله في يده بغير تفريط أو ان ظالما قهره عليه وأخذه منه قدم قوله باليمين لأنه امين أما لو ادعى الانفاق عليه منذ ثلاث سنين فقال الصبي ما مات أبي الا منذ سنتين قدم قول الصبي مع اليمين لان الأصل حياة أبيه واختلافهما في أمر ليس الوصي أمينا فيه فكان القول قول من يوافق قوله الأصل مع اليمين مسألة لما نزل قوله تعالى ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا تجنب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أموال اليتامى وأفردوها عنهم فنزل قوله تعالى وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم اي ضيق عليكم وشدد فخالطوهم في مأكولهم ومشروبهم وينبغي للولي النظر في حال اليتيم فإن كانت الخلطة له أصلح مثل ان يكون إذا خلط دقيقة بدقيقة وخبزه دفعة واحدة كان ارفق باليتيم في المؤنة والين في الخبز وما أشبه ذلك جاز له بل كان أولى نظرا لليتيم كما قال تعالى يسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم الآية وإن كان الافراد ارفق له وأصلح أفرده وسأل عثمان بن عيسى الصادق (ع) عن قول الله عز وجل وان تخالطوهم فاخوانكم قال يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله قدر ما يخرج لكل انسان منهم فيخالطهم ويأكلون جميعا ولا يزرأ من أموالهم شيئا انما هي النار إذا عرفت هذا فينبغي ان يتغابن مع الأيتام فيحسب لكل واحد من عياله واتباعه أكثر من أكل اليتيم وان ساوى الواحد منهم تحفظا لمال اليتيم وتحرزا من تلف بعضه ولو تعدد اليتامى واختلفوا كبرا وصغرا حسب على الكبير بقسطه وعلى الصغير بقسطه لئلا يضيع مال الصغير بقسطه على نفقة الكبير لما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادق (ع) في قوله عز وجل ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال ذلك رجل يحبس نفسه على المعيشة فلا بأس ان يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا قال قلت أرأيت قول الله عز وجل وان تخالطوهم فإخوانكم قال يخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ويخرج من مالك قدر ما يكفيك ثم تنفقه قلت أرأيت إن كان يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى من بعض وبعضهم اكل من بعض (بعضهم) ومالهم جميعا فقال أما الكسوة فعلى كل انسان ثمن كسوته وأما الطعام فاجعله جميعا فان الصغير يوشك ان يأكل مثل الكبير مسألة إذا بلغ الصبي رشيدا زالت ولاية الوصي وغيره عنه سواء كان حاضرا أو غايبا فلا يجوز له بيع مال الغايب بعد بلوغه ورشده فان باع كان باطلا وبه قال الشافعي ولا فرق بين ان يكون مال الغايب مشتركا مع صبي اخر له عليه ولاية أو لا ولا بين ان يكون الصغار محتاجون إلى بيع المشترك مع الغائب أو لا ولا بين ان يكون المتاع مما يقبل القسمة أو لا لان البلوغ والرشد أزالا عنه الولاية فلا ينفذ تصرف غيره في ماله الا باذنه وبيع الوصي مال الغايب الرشيد تصرف في مال غيره بغير وكالة ولا ولاية فلم يصح كبيع ماله المنفرد أو مالا تضر قسمته وقال احمد يجوز للوصي البيع على الغايب البالغ إذا كان من طريق النظر وقال أصحابه يجوز للوصي البيع على الصغار والكبار إذا كانت حقوقهم مشتركة في عقار في قسمته اضرار وبالصغار حاجة إلى البيع إما لقضاء دين أو لمؤنة لهم وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لا بد منه وكأنهما أرادا هذه الصورة لان في ترك القسمة نظرا للصغار واحتياطا للميت في قضاء دينه والحق ما قلناه فان ما ذكروه لا أصل له يقاس عليه ولا له شهادة شرع بالاعتبار ولان مصلحة الصغار يعارضها ان فيه ضررا على الكبار ببيع مالهم بغير اذنهم ولأنه لا يجوز بيع غير العقار فلم يجز له بيع العقار كالأجنبي مسألة قال بعض علمائنا ليس لولي الصبي استيفاء القصاص المستحق له لأنه ربما يرغب في العفو وليس له العفو لأنه ربما يختار الاستيفاء تشفيا والوجه عندي ان له الاستيفاء مع المصلحة لان ولايته عامة فمهما فرض له مصلحة كان للولي السعي فيها تحصيلا وايفاء ولدلالة العفو على مال إن كان ذلك أصلح لليتيم وان عفى مطلقا فالأقرب اعتبار المصلحة أيضا فإن كان المصلحة في العفو مجانا اعتمدها كما أن له الصلح ببعض ماله مع المصلحة مسألة ليس للولي ان يعتق عبد الطفل والمجنون مجانا لان فيه اتلاف ماله وهل له اعتاقه على مال إذا اقتضت المصلحة ذلك وكان الحظ للطفل فيه أو كتابته كذلك الأقرب عندي الجواز وذلك مثل ان يكون قيمة العبد ألفا فيكاتبه على الفين أو يعتقه على الفين وان لم يكن للطفل فيه حظ لم يصح قطعا وبه قال احمد وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز اعتاقه بمال لان الاعتاق بمال تعليق له على شرط فلم يملكه ولي اليتيم كالتعليق على دخول الدار وقال الشافعي لا يجوز كتابته ولا اعتاقه على مال لان المقصود
(٨٢)