اجماعا الثاني لازم غير مستقر كالثمن قبل القبض والمهر قبل الدخول والأجرة قبل انقضاء المدة فهذا يصح ضمانه أيضا لأنه لازم في الحال وان جاز ان يسقط كما يسقط المستقر بالقضاء والابراء وبالرد بالعيب وغير ذلك وكذا السلم يصح ضمانه عندنا وعند الشافعي لأنه دين لازم فصح ضمانه كالقرض وقال أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين انه لا يصح ضمانه لأنه يؤدي إلى استيفاء المسلم فيه من غير المسلم إليه فلا يجوز كالحوالة به والفرق انه في الحوالة يطالب ببدل الحق وفي الضمان يطالب بنفس الحق الثالث ما ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم كالكتابة عند بعض علمائنا الرابع ما ليس بلازم ولكن يؤول إلى اللزوم كمال الجعالة مسألة الأقرب عندي انه يصح ضمان مال الكتابة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وبه قال أبو حنيفة والشافعي في وجه وخرجه بن شريح على ضمان ما لم يجب ووجد (وجه) سبب وجوبه وقال بعضهم انه مأخوذ من تجويز ضمان الجعل في الجعالة على إحدى الروايتين لأنه دين على المكاتب فصح ضمانه كسائر الديون عليه وعلى غيره والمشهور من مذهب الشافعي واليه مال الشيخ رحمه الله واحمد في الرواية الأخرى انه لا يصح لان مال الكتابة ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم فان للمكاتب ان يعجز نفسه ويمتنع من أدائه فإذا لم يلزمه الأصيل فالضمين أولى ويمنع عدم لزومه وان للمكاتب تعجيز نفسه بل يجب عليه القيام في المال لأنه قد صار دينا عليه تذنيب مسألة لو ضمن انسان عن المكاتب غير نجوم الكتابة فإن كان الدين لأجنبي صح الضمان فإذا أدى الضامن رجع على المكاتب إن كان قد ضمن باذنه وان ضمنه لسيده جاز أيضا والشافعي بناه على أن ذلك الدين هل يسقط بعجره وهو على وجهين ان قلنا نعم لم يصح كضمان النجوم والا جاز مسألة في ضمان ما ليس بلازم في الحال وله مصير إلى اللزوم والأصل في وضعه الجواز كمال الجعالة فنقول ان ضمن قبل الشروع في العمل لم يصح الضمان لأنه ضمان ما لم يجب إذ العقد غير لازم والمال الثابت بالعقد غير ثابت في الذمة فكيف يلزم فرعه وان ضمن بعد فراغ العمل واستحقاقه للمال صح ضمانه قطعا لأنه ضمان ما قد ثبت وجوبه وان ضمن بعد الشروع في العمل وقبل اتمامه فالأقرب جواز الضمان لوجود سبب الوجوب ولانتهاء الامر فيه إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار وهو أحد قولي الشافعي وأصحهما عنده المنع لان الموجب للجعل هو العمل إذ به يتم الوجوب فكأنه لا ثبوت له قبل العمل وقال بعض الشافعية يمكن بناء الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل فنقول ان لم نجوز الرجوع فقد لزم الجعل من قبله وان جوزناه لم يصح ضمانه وأما مال المسابقة والمنازلة فمبني على أن عقدهما جعالة أو اجارة وإن كان اجارة صح الضمان وإن كان جعالة فهو كضمان الجعل وقال الشيخ رحمه الله واحمد يصح ضمان مال الجعالة والمسابقة لأنه يؤول إلى اللزوم ولقوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم ولأنه يؤل إلى اللزوم إذا عمل العمل وانما الذي لا يلزم العمل والمال يلزم لوجوده والضمان للمال دون العمل وكلامه يشعر بجواز الضمان قبل الشروع في العمل مسألة يصح ضمان أرش الجناية عند علمائنا سواء كان من النقدين أو من الإبل أو من غيرهما من الحيوانات وبه قال احمد لأنه ثابت مستقر في الذمة فصح ضمانه كغيره من الحقوق الثابتة في الذمم وكغير الحيوانات من الأموال وقال أصحاب الشافعي إذا لم نجوز ضمان المجهول ففي ضمان ابل الدية وجهان ويقال قولان أحدهما لا يصح لأنه مجهول الصفة واللون والثاني انه صحيح ونمنع بطلان ضمان المجهول سلمنا لكن نمنع الجهالة فان الإبل الواجبة في الذمة عن النفس والأعضاء والجراحات معلومة العدد والسن وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا يضر لان الذي يلزمه أدنى لون أو صفة أو غالب ابل البلد فتحصل معلومة ولان جهل ذلك لا يمنع وجوبه بالاتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام ولأن الضمان تلو الابراء والابراء عنها صحيح فكذا الضمان وهذا الوجه عند الشافعية أظهر حتى أن بعضهم قطع به تذنيب إذا كان الضمان بحيث يقتضي الرجوع كما إذا ضمن بسؤاله فإنه يرجع بالحيوان وللشافعية خلاف كما وقع في اقتراض الحيوان وهل يصح ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة الأقرب جوازه لان سبب الوجوب ثابت وقال الشافعية لا يجوز لأنها غير ثابتة مسألة إذا ضمن عينا لمالكها وهي في يد غيره فإن كانت أمانة لم يتعد فيها الأمين لم يصح الضمان كالوديعة والعارية غير المضمونة ومال الشركة والمضاربة والعين التي تدفعها إلى الصايغ والمال في يد الوكيل والوصي والحاكم وأمينه إذا لم يقع منهم تعد أو تفريط عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي لأنها غير مضمونة العين ولا مضمونة الرد وانما الذي يجب على الأمين مجرد التخلية وإذا لم يكن مضمونة على ذي اليد فكذا على ضامنه ولو ضمنها ان تعدى فيها لم يصح لأنه ضمان ما لم يجب ولم يثبت في الذمة فيكون باطلا كما لو ضمن عنه ما يدفعه إليه غدا قرضا وقال احمد يصح ضمانه فعلى هذا ان تلفت بغير تعد من القابض ولا تفريط لم يلزم الضامن شئ لأنه فرع المضمون عنه والمضمون عنه لا يلزمه شئ وان تلفت بتعد أو تفريط يلزمه ضمانها ولزم الضامن ذلك لأنها مضمونة على من هي في يده فلزم ضامنه كالمغصوب وهذا في الحقيقة ضمان ما لم يجب وقد بينا بطلانه مسألة الأعيان المضمونة كالمغصوب والمستعار مع التضمين أو كونه أحد النقدين والمستام والأمانات إذا خان فيها أو تعدى فله صورتان الأولى ان يضمن رد أعيانها وهو جايز لأنه ضمان مال مضمون على المضمون عنه وبه قال أبو حنيفة واحمد والمشهور عند الشافعية تخريجه على قول كفالة الأبدان ومنهم من قطع بالجواز مع اثبات الخلاف في كفالة الأبدان والفرق ان حضور الخصم ليس مقصودا في نفسه وانما هو ذريعة إلى تحصيل المال فالتزام المقصود أولى بالصحة من التزام الذريعة إذا ثبت هذا فان ردها الضامن أو الغاصب برئ من الضمان وان تلفت وتعذر الرد فهل عليه قيمتها فيه للشافعية وجهان كالوجهين في وجوب الغرم على الكفيل ان لم يكن متعديا حكى الجويني فيه وجهين ولو ضمن تسليم المبيع وهو في يد البايع جرى الخلاف في الضمان فان صححناه وتلف انفسخ البيع فإن كان لم يوفر المشتري الثمن لم يطالب الضامن بشئ وإن كان قد وفره عاد الوجهان في أن الضامن هل يغرم فان أغرمناه فيغرم الثمن أو أقل الأمرين من الثمن وقيمة المبيع للشافعية وجهان أظهرهما عندهم الأول بان يضمن قيمتها لو تلفت والأقوى عندي الصحة لان ذلك ثابت في ذمة الغاصب فصح الضمان وقالت الشافعية يبني ذلك على أن المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكفيل الدين ان قلنا نعم صح ضمان القيمة لو تلفت العين والا لم يصح وهو الأصح عندهم ولو تكفل ببدن العبد الجاني جناية توجب المال فهو كما لو ضمن عينا من الأعيان وجزم بعض الشافعية بالمنع هنا وفرق بان العين المضمونة مستحقة ونفس العبد ليست مستحقة وانما المقصود تحصيل الأرش من بدنه وبدله مجهول ولو باع شيئا بثوب أو دراهم معينة فضمن ضامن عهدة المبيع حتى إذا خرج مستحقا رد عليه الثمن وهو قائم في يد البايع فهذا من صور ضمان الأعيان فان تلف في يد البايع فضمن قيمته فهو كما لو كان الثمن في الذمة وضمن العهدة ولو رهن ثوبا من انسان ولم يقبضه فضمن رجل تسليمه لم يصح لأنه ضمان ما لم يجب إذا عرفت هذا فقد اختلف قول الشافعية في صحة ضمان الأعيان المضمونة كالغصب وشبهه فقال بعضهم يصح وبه قال أبو حنيفة واحمد على ما تقدم لأنها مضمونة على من هي في يده فهي كالديون الثابتة في الذمة والثاني لا يصح ضمانها لأنها غير ثابتة في الذمة وانما يصح ضمان ما كان ثابتا في الذمة ووصفنا إياها بأنها مضمونة معناه انه يلزمه قيمتها بتلفها والقيمة مجهولة وضمان المجهولة لا يجوز مسألة للشيخ رحمه الله قولان في ضمان المجهول قال في الخلاف لا يصح وبه قال ابن أبي ليلى والثوري والليث واحمد لأنه اثبات مال في الذمة بعقد لآدمي فلم يصح في المجهول كالبيع وكما لو قال ضمنت لك بعض مالك على فلان وقال في النهاية لو قال انا اضمن لك ما يثبت لك عليه ان لم يأت به
(٩٠)