وثانيا: إن دليل لا ضرر لا يشمل موردا يلزم من شموله له ضرر على شخص آخر، فإنه بالنسبة إلى كل منهما على حد سواء، فيكون شموله لأحدهما معارضا بشموله للآخر، فإن اجبار صاحب البناء على قلع بنائه بدون الأجرة ضرر عليه، واعطاء صاحب الأرض قيمة البناء باستثناء أحجاره ضرر على صاحب الأرض، فإنه بأي وجه يلزم بذلك مع أنه لا يطلب إلا أرضه، فمقتضى قاعدة اليد هو وجوب رد أرضه عليه على النحو الذي أعطاها للغابن، ولا وجه لتضرره من جهة فعل الغابن كما هو واضح.
وبعبارة أخرى أن حديث لا ضرر وارد في مقام الامتنان، فلا يشمل موردا يكون شموله ضررا على الغير، لأنه خلاف الامتنان، وهنا وجه ثالث نذكره في الوجه الثاني.
2 - إن قاعدة احترام مال المسلم تقتضي أن لا يذهب ماله هدرا، فإن اجباره على قلع شجره أو أشجار عن أرض المغبون بلا اعطاء تفاوته خلاف احترام مال المسلم، فلا بد له من اعطاء تفاوت القيمة بين البناء والأحجار وبين الأخشاب والأشجار، وقد ذكر ذلك شيخنا الأستاذ.
وفيه أولا: إن حفظ احترام مال المسلم يقتضي حرمة اتلافه، وإلا يكون المتلف ضامنا، وأما ثبوت ضمانه على شخص آخر فلا تقتضيه تلك القاعدة، ففي المقام أن صاحب الأرض لا يطلب من الغابن إلا أرضه على الذي أعطاه إياها، فلا بد للغابن أن يردها إلى المغبون، وحيث كانت تلك الأرض فارغة وغير مسلوبة المنفعة فلا بد للغابن أن يردها كذلك، ومن الواضح أن ذلك لا يمكن إلا أن يفرغ الغابن الأرض ويقلع بناءه وأشجاره، وأي ربط لذلك على ثبوت الضمان للمغبون.
وبعبارة أخرى أن احترام مال المسلم يقتضي أن لا يذهب هدرا باتلاف