ولكن الذي ينبغي أن يقال إن المعاملة بدون جعل هذا الخيار أيضا ليست بغررية، وذلك لأن الغرر بمعنى الخطر فهو إنما يكون إذا لم يعلم أن تصاحبه بالمبادلة أي شئ، أو أنه متصف بأي وصف، ولذا اشترطوا في البيع كون المبيع معلوم الوجود ومعلوم الوصف، وإذا انتفي أحدهما أو كلاهما كان البيع غرريا، فلو باع أحد داره بما في الكيس فلا يعلم أنه أي مقدار في الكيس، وأنه أي شئ فيكون البيع غرريا.
وأما إذا علم كل من البايع والمشتري ما يأخذه من الآخر وتملكه أي شئ بل يراه، وهو في نصب عينيه ولكن لا يعلم أن قيمته السوقية أي مقدار، والجهل بالمالية من جهة الجهل بالقيمة السوقية فإنه لا يكون ذلك غرريا، فنفرض أنه ليس في العالم سوق ولا عقلاء إلا البايع و المشتري، فهل يتوهم أحد أن معاملتهما غررية، وهذا بخلاف الجهل بأصل الشئ أو بوصفه فإنهما يوجبان الخطر، حتى لو لم يكن في العالم سوق ولا عقلاء غير المتبايعين فإن الرغبات تختلف بينا باختلاف الأشياء وأوصافها، وهو واضح.
ولو سلمنا أن اعتبار العلم بالقيمة السوقية أيضا من شرائط البيع وأضفنا ذلك إلى شرائط البيع وقلنا لا بد من العلم بأصل وجود المبيع وبأوصافه وبماليته، مع أنه لم يعتبر ذلك أحد من الفقهاء أنه ليس هنا غرر أيضا، فإنه يرتفع بالاطمئنان الحاصل، إما من اخبار الثقة أو بأصالة الصحة بناءا على اعتبارها، أو الرؤية السابقة أو غير ذلك، وإن لم يكن اطمينانه بمرتبة القطع.
فإذا اطمأن البايع بعدم كون المبيع أقل من القيمة السوقية أو اطمأن المشتري بعدم كونه أزيد من القيمة السوقية فلا يكون البيع خطريا حينئذ وإن لم يكن في الواقع كذلك، لما عرفت في البحث عن بيع الغرري أن