العقد وانفساخه بمجرد ظهور الغبن فيه من غير أن يثبت للمغبون خيار الفسخ، فإنه بمجرد ظهور الغبن فيها قبل الرضا بذلك يشمل عليه قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (1)، فيحكم ببطلانه لأن أكل المال بالباطل حرام وضعا وتكليفا، ولا يحتاج بطلانه إلى الفسخ، مع أن الفقهاء (رحمهم الله) ذكروا أن المغبون بعد ظهور الغبن في المعاملة مخير بين الفسخ والامضاء.
وثانيا: أنه لا وجه لاخراج ما قبل تبين الخدع عن الآية بالاجماع، بحيث إنه لولا الاجماع كانت الآية شاملة له ولكن الاجماع أوجب التخصيص، وذلك إذ بعد شمول الآية بالمعاملة وحكمها بكونها أكلا للمال بالباطل وحراما وضعا وتكليفا لا معنى للتخصيص، فهل يتوهم أحد أن أكل المال بالباطل حرام إلا في المورد الفلاني، فإنه مع كونه أكلا للمال بالباطل جائز وهذا لم يلتزم به فقيه.
وثالثا: أنه لا يفرق في شمول الآية وحكمها بالبطلان بين ظهور الغبن وعدمه مع عدم الرضا بالمعاملة الغبنية، أي على كل تقدير، فإن الآية إنما فصلت بين الأسباب الصحيحة والأسباب الباطلة ونهي عن المعاملة بالأسباب الباطلة وفصل بينهما كما مر مرارا، وتكون الآية ناظرة إلى أسباب المعاملات، وعليه فلا يفرق فيه بين تبين الغبن قبل الرضا أو بعده، ففي جميع الصور الثلاثة يحكم بصحة المعاملة لكون سببها تجارة عن تراض كما هو واضح.
ومن هنا ظهر أنه لا معارضة بين حرمة الأكل بالباطل وبين تجارة عن تراض.