فحينئذ يحتمل في قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) (1) أن يكون مرادهم بالتسوية مثلية الربح الحاصل بالبيع للربا; أي الزيادة الحاصلة بالبيع الربوي، أو الأعم منه حتى يشمل الربا القرضي، أو يكون مرادهم التسوية بين البيع الذي ليس فيه ربا، والبيع الذي فيه ذلك.
وعلى الاحتمال الأول: يكون معنى قوله تعالى: (أحل الله البيع وحرم الربا): أحل الله الزيادة الحاصلة بالبيع غير الربوي، وحرم الزيادة الربوية; ردعا لزعمهم، ودفعا لتوهمهم.
ولا شبهة في دلالة الآية على هذا الاحتمال، على صحة البيع غير الربوي; ضرورة أن تحليل نتيجة المعاملة ليس تحليلا مالكيا، بل لعله لا يعقل أن يكون كذلك; لأن عمل المتعاملين ليس إلا تمليك الأعيان بالأثمان وتملكها بها، وإباحة تصرف المشتري في الأعيان، والبائع في الأثمان، من أحكام ملكيتهما لهما، وفي الرتبة المتأخرة عن حصول الملكية، وهي رتبة قطع يد المشتري عن الثمن، والبائع عن المثمن، فلا تأثير لإباحتهما، ولا معنى لها.
والإباحة في عرض التمليك والتملك - أو المتقدمة عليهما - غير مقصودة لهما، ولا منشأة بإنشائهما كما هو واضح، فإذا أباح الله تعالى الزيادة والربح في البيع، فلا محالة تكون تلك الإباحة لأجل مالكية المشتري أو البائع، ولا سبب للملكية غير البيع; ضرورة بطلان توهم أن الله تعالى أحل الربح الحاصل بالبيع تعبدا ومستقلا، بلا سببية البيع، وعلى رغم المتبايعين، فيكون ما قصدا غير واقع، وما وقع غير مقصود لهما.
وبالجملة: تحليل الربح تنفيذ لحصول الملكية، لا تحليل مستقل تعبدي،