بل أقول: لو فرض إيقاعها كذلك، هل يعتبر فيها ما يعتبر في البيع بالصيغة، ويلحقها ما يلحقه؟
لا بد مقدمة من بيان أمر: وهو أنه هل تكون إباحة جميع التصرفات - أي كل ما يكون للمالك - لشخص، مستلزمة لانتزاع ملكيته؟
بأن يقال: إن الملك في نظر العقلاء إنما يعتبر بلحاظ الآثار، ولا يعتبره العقلاء فيما لا أثر له مطلقا، فكما أن سلب مطلق الأثر عن شئ بالنسبة إلى شخص، يوجب سلب ملكيته وعدم اعتبارها له - لأن اعتبارها بلحاظ الآثار، فما لا أثر له مطلقا لا حالا ولا استقبالا، لا يكون ملكا في اعتبارهم - كذلك إثبات جميع آثار الملكية لشخص، يوجب اعتبارها له.
فإذا أباح المالك جميع التصرفات - التي هي له - لغيره، يكون ذلك عبارة أخرى من التمليك، بحيث لو صرح مع ذلك بعدم التمليك، يعد تناقضا، فترجع تلك الإباحة المطلقة في مقابل الإباحة كذلك إلى التمليك بالعوض، وهو عبارة أخرى عن البيع، فيكون حالها حال بعض الأقسام الآتية.
لكن التحقيق: أن هذه الإباحة لا ترجع إلى التمليك، ولا تنتزع الملكية منها عرفا; فإن إباحته كذلك لا ترجع إلى سلب أنحاء التصرفات عن المالك، ولهذا تصح الإباحة المطلقة لأشخاص متعددين، مع أن ملكية تمام الشئ لا تعقل لأكثر من واحد، كما أن إباحته كذلك لا توجب سلب جميع الآثار عن نفسه، فيجوز له المنع عن تصرفاته والرجوع عن إباحته، ومعه لا تسلب علاقة ملكيته.
إلا أن يقال بالفرق بين الإباحة بلا عوض، ومع العوض، فيلتزم بسلب الملكية عن المبيح، وثبوتها للمباح له في الإباحة المطلقة المعوضة،