مضافا إلى أن الظاهر أن الآية الثانية مفسرة للأولى، ومبينة لوجه عدم جواز الأخذ، فلا تكون الأولى مستقلة الدلالة.
وأما الثانية، فمضافا إلى أن قوله: (وقد أفضى) كناية - ظاهرا - عن الجماع ويكون الظاهر منها أن علة التعجب الإفضاء وأخذ الميثاق الغليظ مجموعا، لا كل مستقلا، كما أن الأمر كذلك في الأشباه والنظائر.
فاحتمال استقلال كل منهما مدفوع بالظهور، المؤيد بمناسبة الحكم والموضوع، وهي أن جعل المهر لأجل التمتع، لا لمحض عقد الزواج، فكأنه قال: «كيف تأخذون المهر مع أخذ الميثاق الغليظ والتمتع بها، والتصرف فيها ذلك التصرف المهتم به؟!» فتدل الآية على أن كل واحد من الإفضاء، ومن أخذ الميثاق الغليظ، لا يكفي في عدم جواز الأخذ، فلا بد من اجتماعهما.
ومع الإسراء إلى غير النكاح لا بد من القول: بأن العقود في حد نفسها لا توجب عدم جواز أخذ ما يعطى عوضا، فتدل على عكس المطلوب.
أن دعوى أن «الميثاق الغليظ» عبارة عن نفس إيقاع النكاح غير صحيحة، بل الظاهر أن المراد ب «الغليظ» هو ما يتعارف في خصوص النكاح، الذي هو في غاية الأهمية عند عامة الأمم; من الإلزامات، والالتزامات، وأخذ العهدة والتغليظ في القرار والجعل كما هو واضح، فبيع باقة من الخضرة بدرهم ليس من الميثاق الغليظ، ولو أطلق عليه لكان مضحكا.
هذا، مع أن الآية الكريمة واردة لبيان استقرار المهر بالدخول، كما عليه الأصحاب (1) وتدل عليه الروايات المعمول بها (2) وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة: «الميثاق هي الكلمة التي عقد بها، وأما قوله (غليظا) فهو ماء