ومن ثم توجهت إليه همم فطاحل الإسلام ورجال الفضل والدين، ركبوا مطايا المشاق، وألقوا العزم قدامهم، وبذلوا ما كانت لهم من المساعي في تحقيق مباحثه جهدهم، وأكثروا في تنقيح مسائله كدهم، فكم فتحوا فيه مقفلا ببنان أفكارهم، وكم شرحوا منه مجملا ببيان آثارهم، وكم ألفوا وصنفوا فيه من كتاب يهدي في ظلم الجهالة إلى سنن الصواب، فمنهم من استقل، ومنهم من استكثر - فلله درهم وعليه تعالى أجرهم - لقد أجادوا في ما أفادوا وأتوا هنالك بما فوق ما كان يؤمل ويراد، فشكر الباري سبحانه تلك المجاهدات الشاقة منهم، وأنالهم الأجر شفعا ووترا، وأسال عليهم من رحمته، آمين.
وممن فاز بالسبق الأعلى وسبق الأقران في التناول من هذا البحر العظيم، وجاء بعد الغوص فيه بالدرر واللآلئ المكنونة التي فاتت من غيره ولم يظفروا به، هو المرحوم آية الله الحاج الشيخ مرتضى الحائري قدس سره وقد كان شديد الحب بل الشغف بالمباحث العلمية، والتحقيقات الأصولية والفقهية، مولعا بحل المسائل المشكلة بسرد الاحتمالات المتصورة فيها، وتبيين الغث عن السمين، والحق عن الباطل. وقد كان قدس سره يكرر أن مقصودنا، وما هو على عاتقنا أن نتقدم في المسائل الفقهية والأصولية إلى القدام، ولا نقنع بما أورثه السلف الصالح فحسب، ولذلك كان يصعب على غير واحد من شركاء بحثه الشاردين التلقي التام، والضبط الكامل، معتذرا بثقل البيان تارة وفقد النظم الصناعي أخرى، ولكن السر هو ما مر، وأما من جد واجتهد وتدبر ولم يأل جهدا في تلقي ما كان يمليه، فقد ارتقى مرتقى عاليا.
ولا بأس بالإشارة إلى نبذة مختصرة من حياته قدس سره ملخصا مما ذكرناه في مقدمة رسالته الشريفة (صلاة الجمعة) المطبوعة في مؤسستنا عام 1409 ه.
فإنه قدس سره الولد الأرشد لمشيد الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة المرحوم آية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي.
فتح هذا الفقيد السعيد عينه على الحياة في اليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام عام ألف وثلاثمائة وأربع وثلاثين هجرية قمرية، في مدينة أراك،