وأما مع الجهل فيحتمل أن يكون مرادهم به كما ذكره جملة من المتأخرين ما كان ناشئا عن عدم إمكان العلم، بحيث يتعذر عليهما استعلامه، لا مطلقا للزوم الغرر المنهي عنه شرعا، ولوالدي العلامة (قدس سره وروحه ونور ضريحه) في هذا المقام تفصيل حسن، يحسن ذكره وإن طال به زمان الكلام، فإنه من أهم المهام، قال (عطر الله مرقده وأعلى في جوار أئمته صلوات الله عليهم مقعده) بعد كلام في المقام: إذا عرفت هذا فنقول الصلح إما أن يقع على معلوم عند المتصالحين أو مجهول عندهما، أو معلوم عند أحدهما ومجهول عند الآخر.
وعلى الثاني فإما أن يتعذر معرفته مطلقا، أو في الحال فقط مع إمكان معرفته في وقت آخر. أو يمكن معرفته مطلقا.
وعلى الثالث فالعالم فيه إما أن يكون هو المستحق، أو من عليه الحق، فإن كان الأول فإما أن يقع الصلح بأكثر من حقه أو لا، فإن كان الثاني فإما أن يعلم الغريم المستحق بمقدار حقه أو لا، ومع عدم اعلامه فإما أن يصالحه بأقل من حقه أو لا فهذه تسع صور:
الأولى - أن يكون لا مدعى معلوما عند كل من المتصالحين، والحكم فيه بالصحة واضح، لارتفاع الجهالة والغرر فيه، ولا فرق بين كون المدعى عينا أو دينا، وكون الصلح بمقدار مال المدعى من الحق أو أقل منه أو أكثر، مع حصول الرضا الباطني من كل منهما لصحة المعاوضة ظاهرا وباطنا.
الثانية - أن يكون مجهولا عندهما وكان مما يتعذر معرفته والإحاطة به منهما مطلقا عينا كان أو دينا كوارث يتعذر العلم بحصته، ودين غير معلوم الجنس أو الكم، وقفيز من دقيق حنطة أو شعير ممتزج، وكصبرة من طعام أتلفها شخص على آخر، ولم يعلما بقدرها، ففي هذه كلها يصح الصلح ظاهرا وفي نفس الأمر ويفيد نقل الملك وابراء الذمة، وإن كان على المجهول كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم).
بل ظاهر عبارة الشهيد الثاني في المسالك الاجماع على جوازه، وذلك لأن ابراء الذمة أمر مطلوب، والحاجة إليه ماسة، ولا طريق إليه إلا هذا الصلح