ثم إنه على تقدير القول بجواز إجارتها، فهل يشترط تعيين جهة الانتفاع بها أم لا؟ قولان: وبالأول قال في الخلاف والمبسوط، وبالثاني قال: ابن إدريس، وهو ظاهر جملة ممن تأخر عنه.
قال في الخلاف والمبسوط: إذا استأجر دراهم أو دنانير وعين وجه الانتفاع بها كان على ما شرط، وصحت الإجارة، وإن لم يعين بطلت الإجارة، وكان قرضا لأن العادة في دنانير الغير ودراهمه أن لا ينتفع بها إلا على وجه القرض، وإذا أطلق الانتفاع رجع الاطلاق على ما يقتضيه العرف.
وقال ابن إدريس: لو قلنا أنه تصح الإجارة سواء عين جهة الانتفاع أو لم يعين كان قويا، ولا يكون قرضا لأنه استأجرها منه، ومن المعلوم أن العين المستأجرة لا يجوز التصرف باذهاب عينها، بل في منافعها فيحمل الاطلاق على المعهود الشرعي.
ثم قال، والذي يقوى في نفسي بعد هذا كله بطلان إجارتها.
وأجاب في المختلف عن كلام ابن إدريس انتصارا للشيخ بأن الشيخ عول على العرف وقد ثبت في العرف الشرعي انصراف الإجارة إلى الأعيان فيما الغالب فيه تناولها دون المنافع، كاستيجار المرضعة، والشاة للحلب، وأجرة الحمام، وكذا هنا، لما كانت المنفعة المقصودة الانتفاع بأعيانها كانت الإجارة قاضية، بجواز اتلافها وحينئذ تصير قرضا بالاتلاف، وبعد هذا فالوجه على تقدير صحة الإجارة، عدم جواز الاتلاف كغيرها من الأعيان.
أقول: لا يخفى ما في جواب العلامة من تطرق النظر إليه، وأن الحق إنما هو ما ذكره ابن إدريس، وذلك لأن الإجارة نصا وفتوى إنما تنصرف إلى المنافع، والدراهم والدنانير لها منافع كما عرفت، فلا يحتاج إلى تعيينها كغيرها من ساير الأعيان المستأجرة، واطلاق الإجارة إنما ينصرف إلى المنافع التي هي المعهود الشرعي، كما ذكره ابن إدريس، وأما صحة الإجارة في استيجار المرضعة ونحوها فإنما جرى على خلاف قاعدة الإجارة، بنص خاص، فصار مستثنى من حيث