بحسب ظاهر الشرع دون نفس الأمر تارة كما عرفت، ومن الصحة ظاهرا وواقعا فيما إذا حصل الصلح على مقدار ما في الذمة، كما في الصورة الأولى (1).
وأما الحكم الثاني وهو قولهم " إلا ما أحل حراما أو جرم حلالا " فهو عين ما صرح به الحديث النبوي المتقدم، وفسر الأصحاب تحليل الحرام بالصلح على استرقاق حر أو استباحة بضع لا سبب لإباحته إلا الصلح، أو يشربا أو أحدهما الخمر ونحو ذلك.
وبالجملة ما يكون محرما في حد ذاته، ويراد تحليله وإباحته بالصلح، وتحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما حليلته أو لا ينتفع بماله، أو نحو ذلك مما هو حلال له في حد ذاته، وإنما يراد تحريمه بالصلح.
وعلى هذا فالاستثناء متصل، لأن الصلح على هذا باطل ظاهرا وواقعا، وربما فسر بصلح المنكر على بعض المدعى أو منفعته أو بدله مع كون أحدهما عالما ببطلان الدعوى: كما تقدم بيانه، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، لما عرفت من الحكم بصحة الصلح هنا ظاهرا، وإنما بطلانه بحسب الواقع ونفس الأمر، والحكم بالصحة، والبطلان إنما يتوجه إلى الظاهر، فلا يصح أن يكون الاستثناء متصلا، ويحتمل كونه متصلا بالنظر إلى الواقع، وهذا المثال يصلح لأمرين معا فإنه محل للحرام بالنسبة إلى الكاذب (2) ومحرم للحلال بالنسبة إلى المحق.
والله العالم.
المسألة الثالثة - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يصح الصلح مع العلم بالمتنازع فيه وجهله، دينا كان أو عينا، وما ذكروه من الصلح مع العلم فلا ريب في صحته، لارتفاع الجهالة، وحصول التراضي، وإن كان يبقى الكلام في المبطل منهما باعتبار الاستحقاق واقعا وعدمه، فيجري فيه ما تقدم في سابق هذا المسألة.