الليلة، فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المعتب فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين أوارى الدواب غير ذلك، إذا معهم أسود ليس منهم، فقال: ما هذا الرجل معكم؟ قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئا قال: قاطعتموه على أجرته؟ فقالوا: لا، هو يرضى منا بما نعطيه، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط، وغضب لذلك غضبا شديدا فقلت: جعلت فداك لم تدخل على نفسك، فقال: إني نهيتهم عن مثل هذا غير مرة أن يعمل معهم أحد حتى يقاطعوه على أجرته: واعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا من غير مقاطعة ثم زدته لذلك الشئ ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك نقصت أجرته فإذا قاطعته ثم أعطيته حمدك على الوفاء، فإن زدته حبة عرف ذلك لك ورأي أنك قد زدته ".
وأنت خبير بأن ظاهر هذين الخبرين إنما هو التحريم، إلا أنهم (عليهم السلام) كثيرا ما يؤكدون في النهي عن المكروهات بما يوهم الحاقها بالمحرمات، وفي المستحبات بما يكاد يدخلها في حيز الواجبات، وعلى هذا فربما يستفاد من الخبر الثاني جواز الضرب على فعل المكروه، ويحتمل أن يقال: إن ذلك وإن كان مكروها إلا أنه من حيث مخالفة أمر المولى حيث أنه (عليه السلام) نهاهم عن ذلك مرارا كان ما فعلوه محرما، فيجوز التأديب عليه بلا إشكال.
بقي الكلام في أنه في الشرايع عد من جملة ما يكره هنا تضمينه، إلا مع التهمة، حيث قال: ويكره أن يستعمل الأجير قبل أن يقاطعه على الأجرة، وأن يضمن إلا مع التهمة، والأول من هذين الفردين قد عرفت الكلام فيه.
وأما الثاني فهو لا يخلو من الاجمال الموجب لتعدد الاحتمال، ولهذا قال في المسالك: فيه تفسيرات: الأول: أن يشهد شاهدان على تفريطه، فإنه يكره تضمينه للعين إذا لم يكن متهما.
الثاني: لو لم يقم عليه بينة، وتوجه عليه اليمين يكره تحليفه ليضمنه كذلك.