نقل ذلك: وهو جيد، لأن الجهالة في أحد العوضين مبطلة، وكذا لو استأجر أجيرا بطعامه، ثم نقل عن ابن الجنيد أنه قال لا بأس باستيجار الانسان بطعامه وكسوته، كالظئر والغلام وإن لم يسم قدر اللبن من الظئر، ولا قدر الطعام للأجير، ثم قال العلامة: أما قدر اللبن فجيد، لأن ذلك مجهول لا يمكن ضبطه وأما طعام الأجير فممنوع، انتهى.
أقول: ويمكن الاستدلال لابن الجنيد برواية سليمان بن سالم (1) المتقدمة في المسألة الثامنة عشرة لدلالتها على جواز الاستيجار بالنفقة من غير تعيين كما تضمنه السؤال الأول والثاني منها، ويكون حكم النفقة مستثنى من قاعدتهم المذكورة إن ثبتت، سيما مع ما عرفت مما قدمناه في غير موضع من انخرام هذه القواعد المشهورة بينهم بالأخبار، وإن كانوا تارة يردون الأخبار في مقابلتها، وتارة يرتكبون تخصيصها بها، والله سبحانه العالم.
الثامن: قد عرفت من تعريف الإجارة كما قدمنا ذكره في صدر الكتاب - أنها عقد ثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم، أو تمليك المنفعة بعوض - أن الإجارة واستحقاق الأجرة إنما تقع على المنافع، لا الأعيان، وحينئذ فيكون إجارة المرأة للارضاع خارجة عن قاعدة الإجارة ومستثناة بالنص، آية ورواية، لقوله عز وجل (2) " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " والنصوص الواردة بذلك، وهي كثيرة تأتي انشاء الله تعالى في محلها اللايق بها من كتاب النكاح، فإن متعلق الإجارة والذي استحقت المرأة به الأجرة هنا هو اللبن، وهو عين تالفة بالارضاع، فيكون المعاوضة عليه خارجة عن قانون الإجارة، قالوا: ومثل ذلك الاستيجار للصبغ، واستيجار البئر للاستسقاء منها، فإن المستوفي في الجميع إنما هو من الأعيان، وبعضهم تكلف للتفصي عن ذلك بالنسبة إلى الارضاع أن المنفعة