لكنه كما ترى قد صرح بالرجوع عن ذلك في صورة الفرعية على البيع، وقال: بأن الأقوى عنده أنه أصل برأسه في هذه الصورة، مع اشتهار النقل عنه في كتب الأصحاب بالفرعية في البيع وغيره، كما لا يخفى على من وقف على كلامهم، وكأنهم لم يراجعوا الكتاب المذكور، واعتمدوا في ذلك على نقل بعضهم عن بعض، وإلا فإن العبارة كما ترى صريحة في العدول عن مذهبه في هذه الصورة بخصوصها، فينبغي المراجعة في أمثال هذه المقامات، وعدم الاعتماد على النقول، وإن كانت من مثل هؤلاء الفحول، والمعصوم من عصمه الله تعالى فيما يفعل ويقول. والله العالم.
المسألة الثانية - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بصحة الصلح مع الاقرار والانكار، إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا.
أقول: أما الحكم الأول فلا خلاف فيه عمدهم، قال في التذكرة: يصح الصلح على الاقرار والانكار معا سواء كان المدعى به دينا أو عينا عند علمائنا أجمع، وبه قال أبو حنيفة وأحمد انتهى.
وقال في المسالك - بعد قول المصنف يصح مع الاقرار والانكار - هذا عندنا موضع وفاق.
ونبه بذلك على خلاف الشافعي حيث منعه مع الانكار، نظرا إلى أنه عاوض على ما لم يثبت له، فلا تصح المعاوضة، كما لو باع مال غيره، ونحن نمنع بطلان المعاوضة على ما لم يثبت بالصلح، فإنه عين المتنازع، والفرق بينه وبين البيع ظاهر، فإن ذلك تصرف في مال الغير بغير إذنه، بخلافه هنا، ولأن معنى شرعيته عندنا وعنده على قطع التنازع وهو شامل للحالين. انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن صحة الصلح مع الاقرار والاعتراف بالمدعى مما لا اشكال فيها لمعلوميته عند صاحبه: ولا فرق بين أن يصالح عنه بأقل، أو أكثر أو ما ساواه، للمعلومية في الجميع، وحصول التراضي من الطرفين.
إنما الاشكال في صورة الانكار بأن يدعي شخص على غيره دينا أو عينا فينكر المدعى عليه، فتقع المصالحة بينهما إما بمال آخر، أو ببعض المدعى أو غير ذلك من منفعة وغيرها، فإنه باعتبار الانكار، واختلاف الخصمين في ذلك نفيا واثباتا يحتمل أن