قال في المسالك بعد نقل عبارة المصنف المشار إليها: مقتضى اطلاق العبارة عدم الفرق مع ضبط المدة بين كونها وافية بادراك الزرع فيها وقاصرة ومحتملة وهو أحد الوجهين في المسألة، والأقوى اعتبار مدة يدرك فيها الزرع علما أو ظنا غالبا، فلو اقتصر على ما دون ذلك بطل العقد، لأن الغرض في المزارعة هو الحصة من النماء، فإذا لم يتحقق في المدة غالبا بقي العقد بلا عوض، وأنه خلاف وضع المزارعة، والاعتذار بامكان التراضي بعد ذلك على بقائه لا ينفع لأن التراضي غير لازم، فلا يعلق عليه شرط لازم، انتهى.
أقول: وقد عرفت أنه لا دليل على اشتراط المدة في المزارعة، وإنما الظاهر من الأخبار التي قدمناها ونحوها هو إناطة ذلك بادراك الحاصل، بمعنى أن يتراضيا على المعاملة المذكورة بالشروط المقررة بينهما، والعمل فيها حتى يدرك الحاصل ويقتسماه، فإن الغرض من المزارعة إنما هو تحصيل الحاصل منها لكل من المالك والمزارع، فيأخذ المزارع حصته ويأخذ المالك حصته الباقي، وحينئذ فلو فرضنا قيام دليل على اشتراط الأجل فيها، فإنه لا معنى لجعله أقل من وقت ادراك الحاصل، فالقول به أو الاستشكال من أجله لا أعرف له وجها بالكلية.
الثاني - أنهم قالوا: بناء على ما قدمنا نقله عنهم من اشتراط المدة في العقد المذكور لو مضت المدة والزرع باق بأن ذكر مدة يظن الادراك فيها فلم يحصل، فهل لمالك الأرض إزالته أوليس له ذلك، أو له الإزالة مع ضمان الأرش أقوال ثلاثة، قالوا: وجه الأول انقضاء المدة التي يستحق عليه فيها التبقية، والأصل تسلط المالك على ملكه كيف شاء، ولأن الزارع بعد المدة لا حق له، فيكون ابقائه بدون إذن المالك ظلما.
ووجه الثاني أنه قد حصل في الأرض بحق فلم يكن للمالك قلعه: ولأن للزرع أمدا معينا غير دائم الثبات، فإذا اتفق الخلل لا يسقط حق الزارع كما لو استأجر مدة للزرع فانقضت قبل ادراكه.