البيع أن التصرف إنما هو عبارة عن وضع اليد على المبيع، أو الثمن باستيفاء بعض منافعه، أو استعلامها كركوب الدابة، ولمس الجارية وتقبيلها وحلب الشاة ولبس الثوب ونحو ذلك، فاستيفاء بعض من منفعة المستأجر تصرف في أصل المنفعة قياسا على ما ذكرناه، لا أنه يختص التصرف بما استوفاه كما ذكره، وإن كان هو الفرد الحقيق، إلا أن مقتضى ما ذكرناه مما عدوه تصرفا أعم منه كما لا يخفى.
وأما ما ذكره من أن الصبر على العيب ضرر منفي، ففيه أن ما ذكروه من الحكم المذكور غير منصوص، ويمكن أن يقال: بأن له الأرش حينئذ كما في خيار العيب متى تصرف في المبيع، على أن هذا الإيراد يختص بالقول المشهور وأما على القول الآخر الآتي من الأرش مع الرضا فلا ورود له كما لا يخفى.
ثم إن ظاهر كلام الأكثر هو ما ذكرناه آنفا من التخيير بعد ظهور العيب بين الفسخ والرضا بالأجرة وذهب جماعة منهم المحقق الثاني والشهيد الثاني إلى أن له مع الرضا الأرش فهو مخير عندهم بين الفسخ والرضا بالأرش.
قال في الروضة بعد قول المصنف وفي الأرش نظر ما لفظه: من وقوع العقد على هذا المجموع وهو باق، فإما أن يفسخ أو يرضى بالجميع، ومن كون الجزء الفائت أو الوصف مقصودا للمستأجر ولم يحصل وهو يستلزم نقص المنفعة التي هو أحد العوضين، فيجبر بالأرش وهو حسن.
أقول: فيه ما عرفت من أن أصل المسألة غير منصوص، والظاهر أنهم ذكروا هذا الحكم هنا قياسا على البيع من أنه متى ظهر عيب بالمبيع تخير المشتري بين الفسخ وبين الالتزام مع الأرش، مع أن الأخبار ثمة لا تدل على ما ذكروه كما حققناه في البيع، وإنما هو موردها مع ظهور العيب الخيار خاصة، وأما الأرش فإنما هو مع التصرف، وأما تعليله هنا فعليل، فإن ما ذكره من ضرره هنا بنقص المنفعة يجبر بالفسخ الذي هو أحد فردي التخيير، ولا ينحصر في الأرش.
نعم لو لم يكن له الفسخ فإن ما ذكره متجه، لكن الأمر ليس كذلك،