أقول: هذا الاحتمال لا يخلو عن قرب، لأن مبني المنع في الكلام الأول على لزوم تبعيض الصفقة على المؤجر، وهو غير جائز عندهم في جميع العقود، وفيه ما تقدمت إليه الإشارة في غير موضع مما تقدم أنه وإن اشتهر ذلك بينهم - حتى صار قاعدة كلية بنوا عليها في جملة من الأحكام - إلا أنا لم نقف على دليل من الأخبار، لا في باب البيع ولا غيره ولعل ذلك من جملة ما اتفقوا فيه العامة، وإن اتفقوا عليه وكم من مثله في قواعدهم الأصولية، كما لا يخفى على المتتبع.
الثاني أن يمنعه بعد القبض، والظاهر أنه لا خلاف في صحة العقد، وعدم فسخه، لأن وجه التخيير في الأول، وجواز الفسخ إنما كان من حيث أن العين قبل القبض مضمونة على المؤجر، فللمستأجر الفسخ عند تعذرها، والعلة هنا منتفية، لأنه قد قبضها ولزمت الإجارة باجتماع شروطها، وإنما عرض بعد ذلك حيلولة الغاصب له بمنعه عن التصرف، وعلى هذا فيرجع المستأجر على الغاصب بأجرة مثل المنفعة الفائتة في يده لا غير، ويرجع المؤجر على المستأجر بالمسمى لو لم يقبضه سابقا والعين مضمونة في يد الغاصب لصاحبها، قالوا: ولو كان الغاصب هو المؤجر فلا فرق.
الرابع: قالوا: إذا انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الإجارة إلا أن يعيده صاحبه، ويمكنه منه، وتردد في الشرائع في ذلك.
أقول: ظاهر هذا الكلام أن العقد لا ينفسخ بنفسه، ولو أدى الانهدام إلي عدم الانتفاع بالمسكن بالكلية، وبه صرح المحقق الأردبيلي أيضا فقال بعد ذكر عبارة المصنف المشتملة على مثل هذا الاجمال أيضا ما لفظه: أي لو انهدم المسكن المستأجر بحيث لا يمكن الانتفاع به أو انقض ونص نقصانا لو كان قبل العقد لم يرغب في الإجارة عرفا بالأجرة المقررة لم ينفسخ، بل للمستأجر فسخ العقد، والرجوع إلى المالك بعد الفسخ بمقدار حصة الباقي من أجرة المدة، إلا أن يعيد المالك المسكن إلى أصله إلى آخره، وصريح كلام شيخنا في المسالك تقييد هذا الاطلاق بما لو لم يؤد الانهدام إلى فوات الانتفاع بالكلية، أو أنه يمكن زوال المانع