قد تصرف في ملكه بغير تبرع منه، لأن دعوى التبرع قد سقطت باليمين، فالواجب حينئذ أجرة المثل.
واعترض بعض أفاضل متأخري المتأخرين وهو الخراساني في الكفاية على هذا الكلام بمنع الأصل المدعي هنا أعني قوله والأصل يقتضي عدم خروج المنافع عن ملك المالك إلا بعوض، قال: إذ لا حجة عليه عقلا ونصا.
أقول: مرجع هذا الأصل إلى الاستصحاب، فإنه أحد المعاني التي يطلق عليها، ولا شك أن العين من حيث هي ملك للمالك، فكذا منافعها، فبعد خروجها عن يد المالك على هذا الذي وقع فيه الاختلاف، لو تمسك المانع باستصحاب بقاء المنافع على ما ثبت لها أولا من ملكية المالك حتى يقوم الدليل على خلافه فهو صحيح، والظاهر أنه ليس من الاستصحاب الذي هو محل الخلاف بين الأصحاب، بل الاستصحاب المتفق عليه، وهو استصحاب الاطلاق أو العموم حتى يقوم دليل التقييد أو التخصيص.
وبالجملة فإنه لا يظهر لي وجه ما ذكره، نعم استشكل هذا القول في المسالك بما لو كان ما يدعيه من الأجرة أقل من أجرة المثل، لاعترافه بنفي الزائد، قال: فينبغي أن يثبت له بيمينه أقل الأمرين مما يدعيه وأجرة المثل، لأن الأقل إن كان ما يدعيه فهو معترف بعدم استحقاقه سواه، وإن كان الأقل أجرة المثل فلم يثبت بيمينه سواها، إذ لم تثبت الإجارة، وإنما لزم تصرف الراكب في ماله بغير إذن المالك على وجه التبرع.
أقول: من أجل ما ذكره من هذا الاشكال صار في المسألة قولا ثالثا فذهب في القواعد إلى هذا القول، وهو أنه بعد حلف المالك فالثابت له أقل الأمرين من أجرة المثل ومن المسمى، إلا أنه قد أورد عليه أيضا أن المالك على تقدير كون المسمى أكثر من أجرة المثل، فالمالك يدعي الزائد من الأجرة عن أجرة المثل، والراكب ينفيه، فلا بد من وجه شرعي يقتضي نفيه، وليس إلا بيمين الراكب على نفي الإجارة.