البحث الثالث في اللواحق:
وفيه مسائل: الأولى - حيث أن الوديعة من العقود الجايزة بناء على أنه عقد، فإنه يجوز فسخها أي وقت شاء المستودع، وبطريق الأولى لو كانت إذنا خاصة، إلا أنه لا يجوز تسليمها إلا إلى المالك أو وكيله، ومع تعذر هما فإلى الحاكم الشرعي، ومع تعذره فيدفعها إلى ثقة، ولا ضمان مع عمله بهذا الترتيب فلو خالف ودفع إلى الحاكم مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله أو دفع إلى الثقة مع إمكان الدفع إلى الحاكم ضمن عند الأصحاب من غير خلاف يعرف.
بقي الكلام في أن الظاهر أن جواز الرد في أي وقت شاء إنما يتم بالنسبة إلى الرد على المالك أو وكيله، أما الرد على الحاكم أو الثقة فإنما يجوز مع العذر المانع من الإئتمان، كخوف تلف الأمانة في يده بحرق أو سرق أو اضطراره إلى السفر ونحو ذلك من الأسباب المانعة من بقاءها أمانة في يده، وإن لم يكن له عذر لم يجز الدفع إلى الحاكم ولا الثقة مع عدمه لأنه وإن جاز له فسخ عقد الوديعة متى شاء، لأنه عقد جائز إلا أنه بقبول الوديعة قد التزم حفظها إلى أن يردها على مالكها، فلا يبرئ إلا بالدفع إلى المالك، ولا عذر هنا يجوز له الخروج به عن ذلك من ضرورة تعرض له أو للوديعة كما تقدم.
وربما نقل عن بعضهم أنه أجاز دفعها إلى الحاكم عند تعذر المالك مطلقا، لأنه بمنزلة وكيله، قال في المسالك: وليس بذلك البعيد.
وقال في المسالك أيضا: ثم إنه على تقدير جواز دفعها إلى الحاكم هل يجب عليه القبول؟ كما إذا كان له عذر ولم يجد المالك ولا وكيله وجهان: من أنه نائب عن الغائب حينئذ، وأنه منصوب للمصالح ولو لم يجب عليه القبض فاتت المصلحة المطلوبة من نصبه، ومن أصالة البراءة، والأقوى الأول والوجهان آتيان في ما لو حمل إليه المديون الدين مع غيبة المدين، والغاصب المغصوب أو بدله مع تلفه، وغير ذلك من الأمانات التي يليها الحاكم، انتهى.