أقول: ومن هذا التعليل يظهر وجه ضعف التعليل الأول، لأن مبنى التعليل الأول على أن إذن المالك في وضع هذه الأشياء في أرضه اقتضى بقاؤها فيها تبرعا، وقد رده في التعليل الثاني بأن جواز الرجوع في العارية لا يتوجه إلا بأن يكون منفعة الأرض لصاحبها لا حق لغيره فيها، إذ لو كان لغيره حق فيها لم يتوجه جواز الرجوع فيها، وإذا لم يكن لغيره حق فيها فكيف يتجه ما ذكره في ذلك التعليل من بقائه تبرعا بسبب الإذن في الوضع، وحينئذ فلا بد في تقويمه باقيا من اعتبار الأجرة، إذ البقاء إنما يتوجه بها.
وبالجملة: فإن الإذن في الوضع إنما اقتضى صحة التصرف، وأن لا يكون غصبا ولا موجبا للمؤاخذة والإثم، وبرجوع المالك في ذلك بعد ذلك لا يستحق البقاء فيها إلا بالأجرة إن تراضيا بها وحينئذ فإذا أريد التقويم بعد الرجوع لأخذ الأرش إنما تقوم باقية بالأجرة حيث إنه لا يستحق البقاء بعد الرجوع بدونها، وتقوم مقلوعة، فيؤخذ بالتفاوت بين القيمتين هذا مقتضى كلامه، وهو جيد بالنظر إلى هذه الاعتبارات، والبناء على هذه التعليلات، وينبغي أن يعلم أن ثبوت الأرش إنما يكون في صورة اختلاف حالتي القلع والبقاء، وحيث ينتفى الاختلاف كما في صورة ادراك الزرع وبلوغه، فإنه متى رجع المالك في تلك الحال فإنه لا أرش.
ولو بذل المعير قيمة البناء أو الغرس أو الزرع لم يجب على المستعير إجابته، بل له قلعه وإزالته مع أخذ الأرش من المعير، وكذا لو بذل المستعير قيمة الأرش أو الأجرة لم يجب على المعير إجابته، لأن كلا منهما مسلط على ملكه، لا يجوز التصرف فيه إلا برضاه.
وخالف الشيخ في الأول فأوجب على المستعير الإجابة إذا بذل المعير قيمة الأشياء المذكورة معللا ذلك بعدم الضرر على المعير، وقد تقدم نقل كلامه في الفائدة الرابعة من الفصل الأول (1) وضعفه ظاهر، فإن مجرد انتفاء الضرر على